ويعني بسيد القوم الشيخ الأكبر ، وهو المرحوم الشيخ عبد الحسين الصادق " [1] . رحلته إلى العراق وإيران : زار شيخنا الظاهر العراق عضوا في وفد جبل عامل للاشتراك في أربعين الملك فيصل الأول عام 1352 ه = 1933 م ، وكان الوفد مؤلفا منه ومن العلامة الشيخ أحمد رضا صاحب " متن اللغة العربية " والشيخ أحمد عارف الزين صاحب مجلة " العرفان " والدكتور محمد خليفة طبيب أسنان ، وقال عارف في ذلك أبياتا من الشعر في وداع النجفيين منها قوله : إنا نزلنا حمى الكرار عن شغف * على " رضا " " ظاهر " من " عارف الزين " ولم يتسع البيت لذكر المندوب الرابع على حد تعبير الزين ، وقد أشار العلامة الكبير الشيخ محمد رضا الزين المتوفى سنة 1365 ه = 1939 م في قصيدته التي بعث بها إلى العلامة الجليل الشيخ قاسم محي الدين النجفي المتوفى سنة 1376 ه = 1956 م بقوله : سل بلاد العراق عنهم فكم قد * بيضوا فيه صفحة وطنيه هي تبني بما لهم من مزايا * عند مداها تخط كل مزيه صافحتهم أنامل من مليك * هي أندى من الغمام عطية [2] وفي هذه الزيارة قال المرجع الديني العظيم السيد أبو الحسن الاصفهاني المتوفى عام 1365 ه = 1945 م كلمته المشهورة : " جبل عامل في العراق " [3] . وفي تلك السنة كان الإمام الكبير السيد محسن الأمين [4] رحمه الله ضيف
[1] دين وتمدين ، 5 / 40 . وذكر الإمام الأمين القصة في ترجمة الشاعر ، لكنه لم يصرح بأسماء المشايخ ، بل قال : مر بقرية كان يأمل أن يبره بعض من فيها . أنظر ( أعيان الشيعة ) : 44 / 189 . [2] شعراء الغري : 8 / 380 . [3] مجلة " العرفان " العدد 5 و 6 / المجلد 42 . رجب وشعبان سنة 1374 = آذار ونيسان عام 1955 . [4] مجتهد مجدد ، ومصلح كبير ، ومؤلف مكثر ، من حسنات الدهر ونوادر العصر ، ومن العلماء الذين لا يجود بهم الزمن إلا في فترات ، ومن القلائل الذين تناهبت أعمالهم الخالدة أوقاتهم ، ولم يعرفوا معنى الراحة والدعة ، بل كانت راحته وسعادته في العمل المثمر والجهد النافع والأثر الخالد . هبط دمشق بعد عودته من النجف فوجد الأمية تضرب أطنابها ، فبني المدارس لتربية النشئ وتوسع في الإشادة والتوجيه ، حتى صار لمؤسساته ومشاريعه شأن كبير في رفع المستوى وتفوق الطلاب . قام بحركة إصلاحية واسعة ، فمنع رجال المنبر والخطابة الذين يسردون الأخبار الكاذبة والروايات الباطلة ، واستنكر البدع والضلالات التي تقام في بعض البلدان الإسلامية بمناسبة ذكرى استشهاد الحسين ( عليه السلام ) من ضرب الرؤوس بالسيوف والظهور بالسلاسل ودق الطبول ونفخ الأبواق ، وألف رسالة سماها " التنزيه لأعمال الشبيه " فقوبل بهجمة شرسة واحتجاجات صارخة ، وانقسم الناس في النجف وغيرها بما فيهم زعماء الدين إلى فريقين أطلق عليهما اسم " الأموي " وهو الذي يشايع الأمين ، و " العلوي " وهو الذي يحمل لواء المعارضة ، وكثرت الاعتداءات على الأشخاص ، واستغلها المغرضون للإطاحة بخصومهم كما هو المألوف في مثل تلك الحال ، وصدرت في الرد عليه عدة كتب وهجي بقصائد أذكر أن مطلع إحداها : يا راكبا أما مررت بجلق * فابصق بوجه " أمينها " المتزندق وقد اشتهر بيتان آخران لم يسم قائلهما ، وكان المشهور أنهما قيلا في الأمين أيضا ، وإن قال فريق بأنهما قيلا في السيد محسن أبي طبيخ ، وهما : ذرية " الزهراء " إن عددت * يوما ليطري الناس فيها الثنا فلا تعدو " محسنا " منهم * لأنها قد أسقطت " محسنا " وقد كتب ونظم ودون ما ملأ به الطوامير ، وتجاوزت مؤلفاته الثمانين في مختلف العلوم ، وقد راجت مؤلفاته الجليلة واشتهرت في الآفاق ، وشاء الله أن يخلد ذكره إلى أبد الآبدين فأعانه على تأليف موسوعته ( أعيان الشيعة ) التي تمت في 56 جزء دلت على ما كان يختزنه من طاقة جبارة ، وصبر على الاستقراء وجلد على التدوين ، حتى بعد أن تجاوز الثمانين . وقد أدركتني السعادة فكتب لي شرف لقاء بعض الأساطين والجهابذة وعظماء الرجال - في الفكر والثقافة لا السياسة والمال - وظلت حسرة لقاء آخرين في نفسي إلى الأبد ، وفي الطليعة منهم الإمام الأمين وزميله الإمام شرف الدين ، على أنني راسلتهما وأجزت من ثانيهما . . . فهنيئا لهما على ما قدماه من عمل صالح خالص ، وما تركاه من ذكر وأثر خالدين ، ولمثل هذا فليعمل العاملون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم " محسنون " . توفي عام 1371 ه = 1952 م واشتراك شعب وحكومة كل من سوريا ولبنان في تشييعه ، ومنحته الحكومتان وسامين محترمين وتكفل الجزء الأربعون من " أعيان الشيعة " ترجمته وما قيل فيه ، وأرخت وفاته بقولي : لا عداك الغيث يا قبر " الأمين " * بك دين الله قد بات دفين هذه الشرعة تنعى فقده * إذ به قد فقدت ركنا ركين يا بني العلم عزاء بالذي * رزؤه عم البرايا أجمعين فالأمين الروح ينعى أرخوا * " قد مضى من كان للدين الأمين "