الطامعين في انحلال الجمعية والاستيلاء على أملاكها باسم الدين ، وتحريك الغوغاء ، والاستعانة بالمستشار الفرنسي في صيدا " المسيو بانسون " الذي منع الجمعية عن السير في طريقها بحجة حفظ الأمن مدة قاربت السنة ، والجمعية تجاهد وتجالد في سبيل إلغاء ذلك المنع ، حتى انتهى الأمر بتحكيم " الشيخ مصطفى نجا " مفتي بيروت ورئيس جمعية المقاصد الخيرية فيها في ذلك الأمر ، وانحلت العقدة ورجع كل شئ إلى مجراه الطبيعي ، واستمرت في تفوق وارتقت درجة التعليم حتى بلغت النسبة المئوية 90 / في الذكور و 80 / في الإناث ، وأصبحت النبطية دار علم يؤمها الطالبون من الأنحاء العاملية ، وصارت مدارسها سلما للصعود في النش ء العاملي ، فكثر فيها حملة الشهادات العالية في الطب والحقوق ، والهندسة والرياضيات ، والزراعة والتعليم وغيرها ، كما امتد أثر ذلك إلى غيرها من البلاد . وقد رأس شيخنا الظاهر تلك الجمعية أكثر من عقد ونصف العقد حتى توفي ، واستطاع أن ينهض بأعباء علمية وعملية مع كثرة المعاكسين ، ويندر مثليها اليوم لأنها قد ملكت - بفضل جهوده ومساعيه - عقارات في أهم مواقع المدينة ، وهي ذات قيمة وريع يكفل الانفاق على مدرستيها ، وتعليم العلوم الدينية في الطليعة من منهاجيهما . وشاء الله أن يقيض لتلك الجمعية من يأخذ بيدها ويرد الأيدي العادية عنها ، كالزعيم النائب يوسف الزين [1] وأخيه الحاج حسين فلهما الأيادي
[1] من الشخصيات اللبنانية الكبيرة ورجال الإنسانية النوادر والوجوه التي كانت تخدم وتعمل لوجه الله . . . كان زعيم الجنوب لكنه لم يكن ليفرق بين الجنوب والشمال ، وكان من عظماء الشيعة وكبراء المسلمين ، لكنه لم يجعل مائزا بين الشيعة والسنة والمسلمين والمسيحيين ، فكما أطعم وآوي الألوف من أبناء المسلمين أيام الحرب العالمية الأولى قدم المؤن للأديرة المسيحية ك " دير المخلص " و " دير مشموشة " وغيرهما . قال الكونت : " دي جوفنيل " المفوض السامي للحكومة الفرنسية عندما علق على صدره وسام " جوقة الشرف من رتبة فارس " باسم رئيس الجمهورية الفرنسية : " يا صديقي الزعيم إن ما قمت به من أعمال خالدة . . في الأزمنة الأخيرة . . . " ثورة الدروز سنة 1925 " وضيافتك للألوف التي هربت من بيوتها ولجأت إلى منطقتك أثرت بنا كثيرا ، وضيافتك خاصة للمسيحيين الذين لم يشعروا وهم في داركم إلا وكأنهم في بيوتهم ، وقد وضعت جميع ما تملك بين أيديهم . . . " . وقال الأستاذ نصري معلوف في تأبينه : " آمن بأن الخلق كلهم عباد الله وأن أقربهم إليه أحبهم لبعاده . . فما حجب محبته عن أحد ، ولا أقام لإنسانيته حدودا من طائفية عنصرية أو طبقية . . . " . من خدماته التي لا يأتي عليها أحد : بناء أول مدرسة خيرية في النبطية ، وجر مياه " نبع الطاسة " من ماله الخاص لإرواء النبطية وعديد من القرى المجاورة ، وجر مياه " نبع الطاسة " من ماله الخاص لإرواء إقليم " الخروب " والعديد من قرى منطقة " الزهراني " . وجلب أخصائيين من أوروبا على نفقته الخاصة وتوزيعهم في القرى لتعليم أبناء الجنوب زراعة وصناعة التبغ . وغير ذلك كثير . توفي يوم عرفة عام 1381 ه = مارس 1962 م ، وكان حفل تأبينه من أضخم المشاهد التي جمعت الطوائف الإسلامية والمسيحية ، وخصته جريدة " جبل عامل " التي هي ملحق مجلة " العرفان " بأكثر مواضيع عددها الرابع الصادر في 12 محرم 1382 ه = حزيران 1962 م ، ومن أروع الصور المنشورة فيه صورته في شيخوخته وهو يتوسط أولاده العشرة .