وأما الآية الثانية : ففي لسان العرب : " قال أبو حاتم : وقالوا : ( قبل وبعد ) من الأضداد . وقال في قوله عز وجل : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) أي قبل ذلك ، قال الأزهري : والذي قاله أبو حاتم عمن قاله خطأ ( قبل وبعد ) كل واحد منهما نقيض صاحبه ، فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر وهو كلام فاسد . وأما قول الله عز وجل : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) فإن السائل يسأل عنه فيقول : كيف قال بعد ذلك والأرض أنشأ خلقها قبل السماء ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) فلما فرغ من ذكر الأرض وما خلق فيها قال : ( ثم استوى إلى السماء ) وثم لا يكون إلا بعد الأول الذي ذكر قبله ، ولم يختلف المفسرون أن خلق الأرض سبق خلق السماء . والجواب فيما سأل عنه السائل أن الدحو غير الخلق ، وإنما هو البسط ، والخلق هو الانشاء الأول ، فالله عز وجل خلق الأرض أولا غير مدحوة ، ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض أي بسطها ، قال : والآيات فيها متفقة ولا تناقض بحمد الله فيها عند من يفهمها ، وإنما أتى الملحد الطاعن فيما شاكلها من الآيات من جهة غباوته وغلط فهمه وقلة علمه بكلام العرب " [1] وفيما أورده الطريحي عن ابن عباس ما يؤيد استعمال ( بعد ) في هذه الآية في معناها الحقيقي [2] . بقي الكلام في تأويل ( بعد ) في قولهم فلان كريم وهو بعد أديب بمعنى ( مع ) وأنت خبير بأن ذلك ليس مما يحتج به ، أولا : إن زعم أنه منحضر في هذا الاستعمال ، ثانيا : لجواز أن يكون مستعملا في معناه الحقيقي ويراد منه أنه موصوف بالكرم ، وبعد وصفه بهذه الصفة هو موصوف بالأدب ، على أن تجويز استعمال هذا الحرف ( بعد ) بمعنى ( مع ) في هذه المواضع إن سلمنا أنه لا مناص منه ، فليس معنى هذا أنه يصلح لمثل هذا الاستعمال في كل مورد ، وإذا جاز للمستدل أن يأول ( بعد ) بمعنى ( مع ) في الحديثين ، فهلا جاز أن يقال في
[1] لسان العرب ، العلامة ابن منظور ، دار الكتب العلمية ، ج 3 ، ص 93 . [2] مجمع البحرين ، الشيخ فخر الدين الطريحي ، مادة ( بعد ) ج 1 ، ص 217 .