يدحها ، ثم خلق السماء ثم دحا الأرض بعدها ، وفي فقه اللغة ( الصاحبي ) لابن فارس : ( بعد ) يعدل على أن يعقب شئ شيئا ، تقول : جاء زيد بعد عمرو . ويقولون : إنها تكون بمعنى ( مع ) يقال : هو كريم وهو بعد هذا فقيه ، أي مع هذا فقيه ويتأولون قول الله جل ثناؤه : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) [ النازعات / 30 ] على هذا . وفي الأساس للزمخشري : ( أما بعد ) فقد كان كذا وأتيته بعيدات بين إذا أتيته بعد ، ولم يذكر استعمالها بمعنى ( مع ) . فأنت ترى من مجموع هذه الأقوال أن ( بعد ) حقيقة هي ضد قبل ، وأنها استعملت بمعنى ( مع ) في مواضع محصورة عند من تأول ذلك . 1 - في آية ( عتل بعد ذلك زنيم ) . 2 - وآية ( والأرض بعد ذلك دحاها ) . 3 - وقولهم فلان كريم وهو بعد أديب . أما الآية الأولى : فإن صاحب الكشاف قد ذهب إلى استعمال ( بعد ) بمعناها الحقيقي ، حيث قال : ( بعد ذلك ) بعد ما عد له من المثالب والنقائص [1] ، وأيد ذلك صاحب الانتصاف بقوله : وإنما أخذ كون هذين ( عتل وزنيم ) أشد معايبه من قوله : بعد ذلك ، فإنه يعطي تراخي المرتبة فيما بين المذكور أولا والمذكور بعده في الشر والخير ، ونظيره في الخير قوله تعالى : والملائكة بعد ذلك ظهير ، ومن ثم استعملت ثم لتراضي المراتب وإن أعطت عكس الترتيب الوجودي ، وقال الفخر الرازي : " قوله : بعد ذلك معناه أنه بعد ما عد له من المثالب والنقائص فهو عتل زنيم ، وهذا يدل على أن هذين الوضعين وهو كونه عتلا زنيما أشد معايبه ، لأنه إذا كان جافيا غليظ الطبع قسا قلبه واجترأ على كل معصية ، إلى أن قال : وقوله ههنا ( بعد ذلك ) نظير ثم في قوله : ( ثم كان من الذين آمنوا ) [ البلد / 17 ] " [2] .
[1] الكشاف ، ج 4 ، ص 697 . [2] مفاتيح الغيب ، ج 11 ، ص 46 .