وإنما أنا قاسم ويعطي الله ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله . إن المفهوم من هذه الأحاديث أن الأمة لا تخلو من قائمين بأمر الله مؤيدين شريعته عاملين بسنتها وكتابها ، وهم منها متميزون لا بوحي منزل ولا نبي مرسل ، بل بما حصلوه من علوم الدين ، وبما اكتسبوه من أحكامه ، وهي من متناولهم وعلى طرف الثمام ، وقد دونت دواوينها وأحكمت قواعدها ورسخت أصولها ونمت فروعها ودنت من الجانين ثمراتها ، فأغناهم ذلك عن وحي جديد ونبي جديد . قال ابن تيمية في رسالته ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) : وبعد فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن ، خصوصا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدي بهم في ظلمات البر والبحر ، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم . وأما الآيات الدالة دلالة صريحة على الاستغناء عن الوحي والموحي إليهم فهي أكثر من أن تحصى ، فمنها : ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه ) [ النساء / 83 ] ومنها قوله تعالى : ( فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) [ التوبة / 122 ] ومنها قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) [ آل عمران / 110 ] ومنها : ( وكذلك جعلنا كم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) ومنها : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) كما قال : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) ومنها : ( فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ) [ النساء / 59 ] ومعنى ذلك الرد إلى كتاب الله أو إلى سنة الرسول بعد موته . قال ابن تيمية : وقوله : ( فإن تنازعتم ) شرط والفعل نكرة في سياق الشرط ، فأي شئ تنازعوا فيه ردوه إلى الله والرسول ، ولو لم يكن بيان الله والرسول فاصلا للنزاع لم يؤمروا بالرد إليه ، والرسول أنزل عليه الكتاب