وبعد فإن جل الأخبار التي رواها القصاصون والمغرمون بالأساطير والإسرائيليات أعرض عنها المحققون ونقدة الأخبار ، وماذا يضير المسلمين إذا تمسك بها المبشرون ليجادلوا بها ضعفاء المسلمين ، وقد أفسدها حملة العلم منهم ولم يرد بها نص من الكتاب الذي هو والسنة الصحيحة حجة لهم وعليهم ، ومن زعم أن المفسرين معصومون لا يخطئون وأن كل ما قالوه - وقد يكون في الكثير منه ما يناقض بعضه بعضا - واجب الاتباع وقلنا مرارا : إن تفسير القرآن بما لا يخرج عن أساليبه وأساليب العرب ولا يخالف الحقائق الطبيعية والكونية والاجتماعية والقواعد العقلية والسمعية المقررة ليس من المحظور ، وأن للرأي إذا لم يخالف ذلك كله وكان فيه الكشف عن أسراره التي لا تتناهى مجالا واسعا للتأويل ، وأنه لم يصح عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن فسر كل آي القرآن لأصحابه حتى ما يتمكن من فهمه العامة والخاصة من أهل اللسان . قال الرافعي في هامش كتابه إعجاز القرآن . " قد ثبت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبض ولم يفسر من القرآن إلا قليلا ، وهذا وحده يجعل كل منصف يقول : أشهد أن محمدا رسول الله ، إذ لو كان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسر للعرب بما يحتمله زمنهم وتطيقه أفهامهم لجمد القرآن جمودا تهدمه عليه الأزمنة والعصور بآلاتها ووسائلها ، فإن كلام الرسول نص قاطع ، ولكنه ترك تاريخ الإنسانية يفسر كتاب الإنسانية ، فتأمل حكمة ذلك السكوت ، فهي إعجاز لا يكابر فيه إلا من قلع مخه من رأسه " [1] . وأما ما أطال فيه صاحب التوضيح الكلام في تجويز التفسير وإيراده كلمات بعض العلماء في هذا المعنى فلا نناقشه فيه ، وقد ذكرنا الشئ الكثير منه في تضاعيف ، هذه المباحث بما لا زيادة فيه لمستزيد ، بيد أن ذلك لا يعني فتح باب دعوى النبوة للوصول إليه ، وهو مما لم يجهله العلماء الذين جمعوا مزايا الاجتهاد والاستنباط ، وفي ذلك عناية بأمر الكتاب وامتحان للعقول في تدبر آياته وتدارسه ، وحسبك ما انبثق من هذه العناية ومن هذا التوفر على تفهم
[1] إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، مصطفى صادق الرافعي ، دار الكتاب العربي ، ص 14 .