الجواب : قلنا في معنى هذه الآية أجوبة : أولها : أنه أراد وجدك ضالا عن النبوة فهداك إليها أو عن شريعة الإسلام التي نزلت عليه وأمر بتبليغها إلى الخلق ، وبإرشاده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى ما ذكرناه أعظم النعم عليه ، والكلام في الآية خارج مخرج الامتنان والتذكير بالنعم ، وليس لأحد أن يقول : إن الظاهر بخلاف ذلك لأنه لا بد في الظاهر من تقدير محذوف يتعلق به الضلال ، لأن الضلال هو الذهاب والانصراف ، فلا بد من أمر يكون منصرفا عنه ، فمن ذهب إلى أنه أراد الذهاب عن الدين فلا بد له من أن يقدر هذه اللفظة ثم يحذفها ليتعلق بها ، لفظ الضلال وليس هو بذلك أولى منا فيما قدرناه وحذفناه . وثانيها : أن يكون أراد الضلال عن المعيشة وطريق التكسب ، يقال للرجل الذي لا يهتدي طريق معيشته ووجه مكتسبه : هو ضال لا يدري ما يصنع ولا أين يذهب ، فامتن الله تعالى عليه بأنه رزقه وأغناه وكفاه . وثالثها : أن يكون أراد وجدك ضالا بين مكة والمدينة عند الهجرة فهداك وسلمك من أعدائك ، وهذا الوجه قريب لولا أن السورة مكية وهي مقدمة للهجرة إلى المدينة ، اللهم إلا أن يحمل قوله تعالى وجدك على أنه سيجدك على مذهب العرب في حمل الماضي على معنى المستقبل ، فيكون له وجه . ورابعها : أن يكون أراد بقوله ووجدك ضالا فهدى أي مضلولا عنك في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك وأرشدهم إلى فضلك ، وهذا له نظير في الاستعمال ، يقال : فلان ضال في قومه وبين أهله إذا كان مضلولا عنه . وخامسها : أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع ( ألم يجدك يتيم فآوي ووجدك ضال فهدى ) على أن اليتيم وجده وكذلك الضال ، وهذا الوجه ضعيف لأن القراءة غير معروفة ولأن هذا الكلام يسمج ويفسد أكثر معانيه " [1] . وبعد فلا يتسع المقام للزيادة عن هذا القدر وفيه كفاية عن الإسهاب .
[1] تنزيه الأنبياء ، الشريف المرتضى ، مؤسسة الأعلمي ، ص 150 .