نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 416
فلم أفلح حتى جاء يوم العيد ، فأقبل أهل القرية إلى بيتي صباحا يقدمون لي التهاني كعادتهم في كل عيد ، فقلت لهم : إني حزين لا أقبل التهنئة من أحد أيا كان ، وسألوني عن السبب مستغربين ، قلت : لا أحتفل بالعيد أبدا ما دام في البلد أخصام . فانبرى شيوخ القرية وجمعوا المتخاصمين . وأتوا بهم جميعا إلي ، فتكلمت ورغبت إليهم أن يتصافحوا ويتعانقوا ، ففعلوا ، وزال ما كان في قلوبهم من غل . وهكذا اتفق أهل القرية الذين ما زالوا على الفطرة الإنسانية الطيبة التي فطرهم الله وفطر الناس جميعا عليها ، لا أهل القرية فحسب ، وإنما فسد ، أفسد من ساءت تربيته وعلاقاته الاجتماعية . ولولا أن تمتد بعض الأيدي الأثيمة إلى كثير من القرى تثير فيها الفتنة والشغب لكانت كل قرية كهذه ، ويتناسى أهلها جراحهم ودماءهم ، ويسيرون وراء كل من يتجه بهم إلى النجدة والصالح العام . إن المشاركة الوجدانية تظهر بأصدق معانيها في أبناء القرية يوم العيد ، ويلمسها كل من أقام بينهم ، وشهد أعيادهم . أما المدينة فيكاد لا يوجد لهذه المشاركة أثر يذكر لا في أيام الأعياد ولا في غيرها . وليس السبب في هذا التفاوت ما قيل أو يقال بأن القرية صغيرة ، وكل واحد من أهلها يرى الآخر صباحا ومساء ، فهم كأهل البيت الواحد ، وإنما السبب الحقيقي أن التفاوت في العيش بين أبناء القرى يسير جدا ، فلا يوجد فيها كوخ متواضع إلى جانب قصر شامخ ، كما هي الحال في المدينة . والغني من أهل القرية من يملك قوته الضروري ولباسه وفراشه . فهم لذلك يشعرون بالمسؤولية ، ويجتمعون على النجدة ، ويبتهجون بالعيد جميعا . أما المدينة ففيها مملكتان منفصلتان انفصالا تاما مملكة الغني الكبير الذي يحوز الملايين ، ومملكة الفقير المعدم الذي لا يملك شيئا . ومن هنا ضعف الشعور بالمسؤولية ، وساءت العلاقة بين الهيئات ، واختص الابتهاج والاحتفال بالعيد ومظاهرة ورسومه بذوي القوة والغنى والترف . أما الفقير فإنه يكذب على نفسه ويخدعها يوم العيد ، فيبتهج ويبتسم متجاهلا أتعابه وأوجاعه ، لأنه لا يود أن تكون حياته كلها سلسلة من الأحزان والآلام ، فهو يفر من الحزن الواقعي إلى الفرح الكاذب ، ومن الأتعاب الحقيقية إلى الراحة الوهمية . إن احتفال البائسين
416
نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 416