من يهتم بأمور تحدث بعد سنوات عديدة متأخرة عن وفاته ، وما تنطوي عليها من فتن ومصائب ، يتغافل عن موضوع يحدث بعيد وفاته ، وفي الأيام الأول بعد رحلته ( ص ) ؟ ! ولا يبدي عنايته لموضوع خطير من جهة ، وبسيط من جهة أخرى ، في حين كان يبدي اهتمامه لأبسط الأمور الاعتيادية ، كالأكل والشرب والنوم وما شاكل ، فنجده يصدر الأوامر اللازمة لهذه المسائل الطبيعية ، فكيف لا يبدي اهتماما لمسائل أساسية هامة أو ان يختار الصمت إزاءها ، ولا يعين أحدا مكانه ؟ وعلى فرض المحال ، لو كان تعيين القائد لمجتمع إسلامي في الشريعة الاسلامية ، منوطا بالمجتمع نفسه ، لكان لزاما على النبي ( ص ) ، ان يصرح في هذا الخصوص ويشير إليه إشارة وافية ، ويعطي الأمة الارشادات اللازمة ، كي تصبح واعية امام موضوع يضمن لها تقدمها وتكاملها ، ويتوقف عليه شعائر دينها . في حين أننا لم نجد مثل هذا التصريح ، ولو كان هناك نص صريح لما خالفه من جاء من بعده ، وذلك ما حدث من الخليفة الأول ، وانتقال الخلافة إلى الثاني بوصية منه ، والرابع أوصى لابنه ، اما الخليفة الثاني فقد دفع الثالث إلى منصة الخلافة بحجة انه أحال الامر من بعده إلى شورى تتضمن ستة أعضاء ، وقد عين هؤلاء الأعضاء ، وكذا كيفية انتخابهم . اما معاوية فقد استعمل الشدة في صلح الإمام الحسن ( ع ) ، واستتب له الأمر ، وبعدها صارت الخلافة وراثية ، وتغيرت الشعائر الدينية ، من جهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإقامة الحدود وغيرها . كل هذه قد زالت عن المجتمع الاسلامي ، فأضحت جهود الشارع هباء 1 .
( 1 ) فيما يتعلق بموضوع الإمامة وخلافة النبي ( ص ) والحكومة الاسلامية ، تراجع المصادر التالية : تاريخ اليعقوبي ج 2 : 26 - 61 / السيرة لابن هشام ج 2 : 223 - 271 . تاريخ أبي الفداء ج 1 : 126 / غاية المرام صفحة 664 نقلا عن مسند أحمد وغيرها .