قال سليمان : فإنما قولي إن الإرادة ليست هو ولا غيره . قال الرضا عليه السلام : يا جاهل ! إذا قلت ليست هو فقد جعلتها غيره ، وإذا قلت ليست هي غيره فقد جعلتها هو ! قال سليمان : فهو يعلم كيف يصنع الشئ ؟ قال عليه السلام : نعم . قال سليمان : فإن ذلك إثبات للشئ . قال الرضا عليه السلام : أحلت ، لأن الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن ، ويحسن الخياطة وإن لم يخط ويحسن صنعة الشئ وان لم يصنعه أبداً . ثم قال عليه السلام له : يا سليمان هل تعلم أنه واحد لا شئ معه ؟ قال : نعم . قال الرضا عليه السلام فيكون ذلك إثباتا للشئ . قال سليمان : ليس يعلم أنه واحد لا شئ معه . قال الرضا عليه السلام : أفتعلم أنت ذاك ؟ ! قال : نعم . قال : فأنت يا سليمان إذاً أعلم منه ! ! قال سليمان : المسألة محال . قال : محال عندك أنه واحد لا شئ معه ، وأنه سميع بصير حكيم قادر . قال : نعم . قال : فكيف أخبر عز وجل أنه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير وهو لا يعلم ذلك ؟ ! وهذا رد ما قاله وتكذيبه ، تعالى الله عن ذلك . ثم قال له الرضا عليه السلام : فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو ؟ وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشئ قبل أن يصنعه ، فإنما هو متحير تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . قال سليمان : فإن الإرادة القدرة . قال الرضا عليه السلام : وهو عز وجل يقدر على ما لا يريده أبداً ، ولا بد من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى : وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ( سورة الاسراء : 86 ) فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته . فانقطع سليمان ! ! فقال المأمون عند ذلك : يا سليمان هذا أعلم هاشمي . ثم تفرق القوم . قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : كان المأمون يجلب على الرضا عليه السلام من متكلمي الفرق والأهواء المضلة كل من سمع به حرصاً على انقطاع الرضا عليه السلام عن الحجة مع واحد منهم ، وذلك حسداً منه له ولمنزلته من العلم ، فكان لا يكلمه أحد إلا أقر له بالفضل والتزم الحجة له عليه ، لأن الله تعالى ذكره يأبى إلا أن يعلي كلمته ويتم نوره وينصر حجته ،