إن للسحر ثلاث مراتب : الأولى سحر أعين الناس لا أكثر . وهو السحر غير الحقيقي الذي يعتمد على التصرف في أعين الناس . والمرتبة الثانية : واسترهبوهم . . وهو تصرف في أنفس الناس بالتخويف والمرتبة الثالثة : السحر الذي توصل اليه كبار علماء الهند ومصر القدماء ، الذي يعتمد على استخراج قدرات النفس البشرية ، هذه القدرات التي تبعث على الذهول ، وقد كان أولئك السحرة الكبار أفراداً قليلين ، لا يمكن لكل أحد أن يجدهم ويستخدمهم ، إلا إن كان مثل فرعون وهارون الرشيد . والشعبة الثانية من هذا النوع من السحر عمل النواميس ، الذي يقوم على المزج والتركيب بين القوى العلوية والمواد السفلية ، ويسمونها الطلسمات . . فالسحر الذي عمله هذا الساحر في قصر الرشيد ليس من نوع سحر الأعين ، ولا من نوع الإسترهاب ، بل من نوع استخراج قدرات نفس الساحر وجعلها بشكل ناموس أو طلسم يؤثر في المادة ، فيخرج الرغيف الذي تمسه يد الخادم عن قوة الجاذبية الطبيعية وعن قوة إمساك يده ، ويطيره ! ( فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ) ! ! كان مجلس هارون مجلس العلماء والحكماء ، ونخبة أفراد مجتمعات العالم يومذاك ، وكذلك كان مجلس ولده المأمون . وكان هارون حريصاً في مثل ذلك اليوم على حضورهم لأن القضية أنه يريد أن يقابل حجة الله تعالى ، وهذه الوسائل ضرورية ! وأراد الله تعالى أن يكون ذلك المجلس واستعراض هارون لقدرته وتحديه لوليه صلى الله عليه وآله سبباً لفتح نافذة من معرفة الإمام المعصوم ، والإمام موسى بن جعفر عليه السلام !