وهي الجنة التي يقول عنها عليه السلام : ( وكل شئ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه وكل شئ من الآخرة عيانه أعظم من سماعه ، فليكفكم من العيان السماع ، ومن الغيب الخبر ) . ( نهج البلاغة : 1 / 225 ) هذه الجنة التي فوق وصفنا ، شطب عليها أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال لربه إلهي منذ عبدتك ما عبدتك شوقاً إلى ثوابك وجنتك على عظمتها ، لا من أجل نعيمها وخلودها ، وأشجارها وثمارها ، ولا حورها وقصورها ! فمَنْ غير علي بن أبي طالب قال هذا الكلام ؟ ! وجهنم أيضاً ، وأي جهنم هي أعاذنا الله منها ، وقد رآها أمير المؤمنين وكان يتعوذ منها ، وعرف أن طليعتها قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شئ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ ) . ( سورة الحج : 1 - 2 ) لكن الخوف منها لم يكن الدافع له عليه السلام لعبادة ربه ! فأيُّ قدرة عند هذا الشخص الذي يقول لربه أنا أحب ثوابك والنعيم ، أنا أخاف من عقابك وأعلم أنه شديد ، وقد رأيته ، لكني لا أعبدك خوفاً منه ؟ ! الله أكبر . . فهنا موضع التكبير ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام لربه إني لا أعبدك شوقاً إلى ثوابك ، ولا خوفاً من عقابك ! فأي بشر هذا ، وأي مخلوق هو ؟ بل أي جوهر لم يعرف العالم قدره ؟ ! إن روحه أعلى وأسمى من كل عالم الثواب والعقاب ، ومحيطهما ! فقد وصلت به تلك الروح السامية . . إلى حيث يقول : ( لكني وجدتك ) ! تأملوا هنا لتعرفوا من هو علي عليه السلام ، وتعرفوه للناس هكذا كما هو ، لا كما يفعلون اليوم فيتكلمون حوله بلا طائل ، ويحوكون كلاماً على قدر فهمهم