على مكانهم منك ، ومنزلتهم عندك ، واستجماع أهوائهم فيك ، وكثرة طاعتهم لك ، وقلة غفلتهم عن أمرك ، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك لحقروا أعمالهم ولزروا على أنفسهم ، ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك ، ولم يطيعوك حق طاعتك . سبحانك خالقاً ومعبوداً بحسن بلائك عند خلقك ) ( نهج البلاغة : 1 / 210 ) ( 2 ) فهؤلاء الملائكة الأبرار مستغرقون في عبادة الله تعالى ، وأي عبادة ؟ ! ( منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافون لا يتزايلون ، ومسبحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان ، ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ) . ( نهج البلاغة : 1 / 14 ) كذلك هي عبادة سكان الملأ الأعلى ، عبادةٌ لا كلل فيها ولا ملل . . حتى نصل إلى عبادة أنبياء الله تعالى : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليه السلام ، فهذه أيضاً عبادة عباد وصلوا إلى كمال المعرفة . والمهم هنا أن نعرف معنى قول الإمام الهادي لأمير المؤمنين صلى الله عليه وآله : ( أنت أحسن الخلق عبادةً ) ، فهذه الثمرة العليا لشجرة الوجود ، وهذا المقام الأسمى في العبادة ، لم يبلغه ملكٌ من الملائكة ، ولا بشرٌ بعد النبي صلى الله عليه وآله ، إلا أمير المؤمنين عليه السلام ! فما هي هذه العبادة التي صار بها أحسن الخلق عبادةً ؟ هنا يتضح لنا معنى قوله عليه السلام : ( إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ، ولا طمعاً في ثوابك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ) . ( البحار : 41 / 14 ) . ( 3 ) أرجو أن نكون فهمنا معنى هذه الكلمة ؟ ! إن علياً عليه السلام عابدٌ لربه من أول يوم جاء إلى الدنيا في بيت ربه ، إلى اليوم الذي قال في بيت ربه : فزت ورب الكعبة ! لقد رأى الجنة ولم يسمع بها ، ورأى جهنم ولم يسمع بها ، أنت تسمع بهما ، ولكنه رآهما !