وجاء بعد علقمة إبراهيم النخعي [1] ، وبعد إبراهيم حماد بن أبي سليمان [2] ، وبعد حماد جاء أبو حنيفة . وقد صعد أبو حنيفة من اتجاه أهل الرأي في دمجه الاجتهاد بالقياس . فمثلا قوله : إن أبا هريرة لم يكن مجتهدا ، وكان يسمع أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقط ، ولا علم له بالناسخ والمنسوخ ، وإذن فلم يكن مجتهدا ولا طائل من وراء رواياته . وينسحب رأيه أيضا على بعض رواة الحديث مثل طاووس اليماني وعطاء بن أبي رباح وطعنه على بعض التابعين . ومن هنا فقد انتشر فقه أبي حنيفة في البلدان وتلقفه الناس دونما اعتراض حتى بلغ ذروة انتشاره في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث . وقد أثار ذلك حنق المحدثين ، فقد اعتبروا " صيادلة " في قبال الفقهاء الذين هم " أطباء " .
[1] إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي المتوفى 96 ه ، كان مفتي الكوفة وهو مختف من الحجاج ، روى عن خاله الأسود بن يزيد بن قيس ، وقال : " أدخلني خالي الأسود على عائشة وهو يقول : لم يكن أبو هريرة فقيها . ميزان الاعتدال 1 : 75 . [2] حماد بن أبي سليمان الكوفي المتوفى 120 ه ، أنه قال لأهل الكوفة : " أبشروا يا أهل الكوفة ! رأيت عطاء وطاووسا ومجاهدا ، فصبيانكم بل صبيان صبيانكم أفقه منهم " إنما قال هذا تحديثا بالنعمة وردا على بعض شيوخ الرواية ممن لم يؤت نصيبا من الفقه ، وكانوا يسألون عن رأيه . ميزان الاعتدال 1 : 596 .