شك أن الاعتراض حينئذٍ سيكون إشعارا ودلالة ، على مدى الحساسية التي يظهرها النبي تجاه الالتزام بموافقة الأحكام الشرعية الظاهرية . ومن هنا تحدس ، إن كنت ذا فطانة ، أن موسى ( ع ) قد اصطدم بأمرين : الأول : أنه مكلف ومأمور بالعمل بحسب الظاهر وهذا الأمر مجمع عليه . الثاني : أن من يتبعه هو ممن علّم علما لدنيا . ومن المقطوع به عنده ( ع ) أن لفعله حجة باطنة وإن خالفت الحكم الظاهري . وعليه : فإما أن يسكت موسى ( ع ) ولا يعترض ، وبذلك يخالف تكليفه الشرعي بالاعتراض على ما فيه مخالفة ظاهرية وفي ذلك مخاطر كبيرة لأنه يفتح الباب على مصراعيه للحكام الظالمين والجبارين بالتعلل بأن ما يفعلونه ينطلق من علمهم بالواقع ، ولا ينبغي أن ننسى ما حاول الحكام الأمويون ، لا سيما معاوية ، من استغلال قول بعض المذاهب " بالجبرية " لتبرير حكمهم وتسلطهم على الناس . وإما أن يعترض ( ع ) بطريقة لا توحي بالاتهام ، لذلك اعترض بصيغة الاستفهام دون أن يشكل ذلك ذنبا ، أو مخالفة شرعية لحكم شرعي ، لأنه قيد وعده له بالمشيئة . ولهذه الأمور تحدث العلامة المحقق عن النجاح الباهر الذي حققه موسى ( ع ) في هذا الامتحان الذي أظهر الله سبحانه وتعالى فيه " سر اصطفاء الله له من بين سائر قومه ليكون نبيا من أولي العزم " [1] فضلا عن إظهار أهليته لمقام النبوة والرسالة . . من هنا نقول ، وإن لم يقل ذلك العلامة المحقق ، : إن الأمر إن كان بمثابة الامتحان لموسى ( ع ) لإظهار مدى حساسيته تجاه الأحكام الشرعية [2] وحسب
[1] خلفيات ج 1 ص 103 . [2] صحيح أن هذه العبارة هي عبارة العلامة المحقق ، وإنما قلنا أنه لم يقل بذلك لأنه لا توجد إشارة منه أعزه الله إلى أن القصة يراد منها الامتحان والاختبار وحسب ولم ترد هذه المفردة : ( وحسب ) في كلامه مما يفهم منه أنه أراد بها ذلك إضافة إلى أمور أخرى لا نعلمها . .