برأيه عما فعله برأي الشيخ الطوسي ( قده ) . ومع ذلك فلنتوسع قليلا هنا ، فإن في ذلك فائدة عامة . لا يخفى على كل متأمل باحث ، مدى دقة وحساسية الأوضاع والظروف التي عايشها علماؤنا في القرن الرابع والخامس من الهجرة ، لا سيما مع شيوع نحلة أهل الحديث ، وتعاطي هؤلاء ، مع الأمور بمنتهى القسوة والغلظة وخاصة بعد انحسار موجة الاعتزال . وقد حفل التاريخ بأخبار المآسي والمجازر التي تعرض لها الشيعة الأبرار حيث لم تكن حادثة الكرخ ببغداد سنة 362 ه أولها كما لم تكن حادثة الكرخ الثانية سنة 408 ه آخرها . هذا وقد حدثنا التاريخ أيضا انه : " في سنة ثمان وأربع مائة استتاب القادر بالله أمير المؤمنين لفقهاء المعتزلة والحنفية ، فأظهروا الرجوع ، وتبرأوا من الاعتزال ، ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض ( التشيع ) والمقالات المخالفة للإسلام وأخذ خطوطهم بذلك ، وانهم متى خالفوه حل بهم من النكال ، والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم . وامتثل يمين الدولة ، وأمين الملة أبو القاسم محمود أمر أمير المؤمنين في خراسان وغيرها في قتل المعتزلة ، والرافضة ( الشيعة ) والإسماعيلية ، والقرامطة ، والجهمية ، والمشبهة ، وصلبهم ، وحبسهم ، ونفاهم ، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين ، وإبعاد كل طائفة من أهل البدع ، وطردهم عن ديارهم وصار ذلك سنة في الإسلام " وقال ابن دقماق : " وصلب من الروافض ، والزنادقة ، والمعتزلة أعيانهم " [1] .
[1] لقدكانت الكرخ تمثل مجتمع الشيعة في ذلك العصر ، ففي سنة 362 ه قام الوزير " أبو الفضل الشيرازي " بحرق أموال ودور أهل الكرخ ، فأحرق طائفة كثيرة منها حتى بلغ ما أحرق ثلاث ماية دكان ، وثلاثة وثلاثون مسجدا ، وسبعة عشر ألف إنسان ، وعند إبن خلدون عشرون ألف إنسان . أما في سنة 407 ه فقد ذكر إبن الأثير أنه " في هذه السنة في المحرم قتلت الشيعة بجميع بلاد إفريقيا " . أما سنة 408 ه فقد حدثت فتنتة عظيمة في الكرخ ، فراجع النص المذكور في المتن . وراجع صراع الحرية في عصر المفيد للعلامة المحقق جعفر مرتضى العاملي ص 36 نقلا عن المنتظم ج 7 ص 287 والبداية والنهاية ج 12 ص 6 ، والكامل في التاريخ ج 9 ص 35 ومرآة الجنان ج 3 ص 22 ، ودول الإسلام ص 214 وكذلك الجوهر الثمين ص 19 . وفي هامشه عن : العبر ج 3 ص 98 .