عتابك على ترك ما أوصيتني به حين قلت : { اخلفني في قومي وأصلح } " [1] ، وهذا يؤكد ما ذكرناه أيضا من أن اتخاذ قرار قتالهم واستعمال الشدّة معهم مع ما يلزم منه ، يحتاج إلى قرار من موسى ( ع ) بنفسه . . وهذا معنى قوله ( قده ) " أن تكون أنت الملاقي لأمرهم بنفسك " . ويلاحظ أيضا أن هارون ( ع ) كان يخشى عتاب موسى ( ع ) ، ولا يخفى أن الذي يحرص على أن لا يكون معرضا للعتاب ، لا يتصوّر أن يقدم على أمور تجعله في معرض التأنيب أو العقاب أو الغضب كما ذهب إلى ذلك صاحب " من وحي القرآن " . رابعا : دفع توهم الإيذاء : ولماذا تجاهل " الكاتب " ما أجمع عليه أعلام التفسير من أن قول هارون ( ع ) : { ولا تشمت بي الأعداء } إنما يراد به أنه خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل من فعل موسى ( ع ) عندما أخذ برأسه يجره إليه ، أنه أراد إيذاءه . ولا يخفى ما في استعمالهم للفظة " توهم " من دلالة ، إذ لو كان فعل موسى ( ع ) ناتجا عن غضب حقيقي على أخيه كما يدعي صاحب " من وحي القرآن " لما كان للحديث عن توهم الإيذاء ، أو عن " ما ظاهره الإهانة " معنى ، لأن فعله ( ع ) يكون والحال هذه ، غضبا وإيذاءً حقيقيا ، لا توهم أو ما ظاهره ذلك . وها هي أقوالهم ( رحمهم الله ) بين يديك : 1 - الشيخ المفيد ( قده ) : قد تقدم أن الطبرسي نقل عنه قوله في معنى الآية { وأخذ برأس أخيه يجره إليه } أنه كان لإعلامهم " عظم الحال عنده لينزجروا عن مثله في مستقبل الأحوال " [2] فالشيخ المفيد ( قده ) لا يرى أصلا أن موسى ( ع ) قصد بفعلته إيذاء هارون ( ع ) .
[1] مراجعات في عصمة الأنبياء ص 220 ، نقلا عن جوامع الجامع ص 285 . [2] مجمع البيان ج 3 و 4 ص 596 .