ومن الواضح البيّن أن من كان في مقام " المحاججة " لقومه أو " المحاكاة الاستعراضية " لا يصح الحديث عنه بلغة تفيد أنه اكتشف الحقيقة . . لأن المفروض هو أنه على بينة من ربه ، كما قال العلامة الطباطبائي ، وأن الحقيقة ليست خافية عليه . . ومما لا بد من الإشارة إليه هو : أننا في استعراضنا لهذه الشواهد الخمس لم نكن في وارد الادعاء أن صاحب " من وحي القرآن " قد رجح هذا الاحتمال وضعّف الآخر ، إنما نريد أن نقول : إنه قد تحدث عن احتمالين في التفسير ، وقدم لكل احتمال منهما ما يقربه ، ولم يشر بكلمة صريحة إلى تضعيف أي منهما . على أن تفسيره للآيات أولا وفق الاتجاه الثاني ( عبادة إبراهيم ( ع ) للكواكب ) ، ثم ختم كلامه وفقه أيضا ، وتصريحه عند ذكره لما يقرب الاتجاه الأول ( محاججة قومه ) بأن في الآية ما يلمح إلى " حالة تأثر بالجو المحيط به " ، كل ذلك يجعلنا نستظهر ، كما ذكر العلامة المحقق ، " ميله إلى ذلك الاحتمال الفاسد ، وأنه لم يذكره لمجرد كونه احتمالا ، إلا أن مجرد توهم أن يكون نبي الله إبراهيم ( ع ) قد عبد غير الله أو اعتقد بألوهيته وربوبيته ، هو توهم واحتمال باطل في حق الأنبياء ، ويلزم التصريح بتسخيفه ، وبطلانه ، لا تقريبه فضلا عن تأييده بالشواهد ، ثم شرح الآيات بما يناسبه ، ثم إنهاء الكلام والخروج من الموضوع من خلاله " [1] . وإلا فإن إبقاء الاحتمال واردا ولو بنسبة واحد في المئة منافٍ لليقين بعصمة الأنبياء . الأمر الثاني : قد مر معنا أن " الكاتب " في تمحله لتخريج كلام صاحبه ذكر أنه " مال إلى الاتجاه الأول " واعتبره " الرأي الأقرب الذي يلتقي مع شخصية إبراهيم ( ع ) فيما حدثنا القرآن عن حياته " ، ثم قدم شواهد ومواطن تدعم هذا الادعاء [2] .
[1] خلفيات ج 1 ص 70 . [2] مراجعات في عصمة الأنبياء ص 123 .