لقد كان التعبير كذلك متعارفا بينهم كما لا يخفى على من تتبع أخبارهم . ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي وائل قال : " جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة فقال : لقد جلس هذا المجلس عمر فقال : لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته . قلت : إن صاحبيك لم يفعلاه . فقال : هما المرءان أقتدي بهما " . وما رواه المتقي عن علي أنه قال لعثمان : إن سرك أن تلحق بصاحبيك فأقصر الأمل وكل دون الشبع . . " . إذن ليس هذا التعبير دليلا على الارتداد قطعا عند الجميع . . . ولذا اضطربت كلماتهم : ففي الكتاب : " تيقن ردته " وفي الإستيعاب : " فقتل خالد بن الوليد مالكا يظن أنه ارتد ، وأراه - والله أعلم - قتله خطأ " [1] . وفي المغني : " كان الأولى أن لا يستعجل وأن يكشف الأمر عن ردته حتى يتضح [2] . وكأن بعضهم - لما رأى أن لا فائدة له في ذلك - التجأ إلى إنكار أصل القضية فقال أحدهم : " وقد قيل إن خالدا لم يقتل مالكا بل قتله بعض أصحابه خطأ لظنه أنه ارتد " [3] . وقال آخر : " وقيل أيضا : إن خالدا لم يقتل مالكا وإنما قتله بعض قومه خطأ لأنهم أسروا على ظن أنهم ارتدوا وكانت ليلة باردة ، فقال خالد : ادفنوا أساراكم أو لفظا غيره معناه معنى أدفئوا ، وكان ذلك اللفظ في لغة المخاطب بمعنى اقتلوهم ، فظن ذلك الشخص أنه أمره بقتل الأسارى فقتل مالكا [4] .
[1] الإستيعاب 3 / 1362 . [2] المغني للقاضي عبد الجبار كما في الشافي . [3] شرح القوشجي على التجريد 389 . [4] حاشية الكتاب 358 .