الجليل له ، ولم تفتتن بمحبة الرئاسة وعلو المقام ، لكان النبي في تشبيهها بصويحبات يوسف قد وضع المثل في غير موضعه ، وهو أجل من ذلك ، فإنه نقص . . وحينئذ يثبت أن ما قاله النبي صلى الله عليه وآله إنما كان لمخالفة المرأة وتقديمها بالأمر - بغير إذن منه صلى الله عليه وآله - لأبيها ، لأنها مفتونة بمحبة الاستطاعة والرغبة في تحصيل الفضيلة واختصاصها وأهلها بالمناقب كما قدمناه في بيان طرف من أحوالها . وأما ثالثا : فقد جاء في بعض الأخبار أنه لما قالت عائشة : " إنه رجل رقيق فمر عمر " لم يجبها بتلك الكلمة بل قال : " مروا عمر " [1] ومنه يظهر أن السبب في قوله ذلك لم يكن قولها : " إنه رجل أسيف " . وقال النووي بشرح الكلمة : " أي : في التظاهر على ما تردن وكثرة إلحاحكن في طلب ما تردنه وتملن إليه ، وفي مراجعة عائشة : جواز مراجعة ولي الأمر على سبيل العرض والمشاورة والإشارة بما يظهر أنه مصلحة وتكون المراجعة بعبارة لطيفة ، ومثل هذه المراجعة مراجعة عمر في قوله : لا تبشرهم فيتكلوا . وأشباهه كثيرة مشهورة " [2] . قلت : وهذا أسخف من سابقه ، وجوابه يظهر مما ذكرنا حوله ، ومن الغريب استشهاده لعمل عائشة بعمل عمر ومعارضته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواقف كثيرة ! ! ومما يؤكد ما ذكرناه من عدم تمامية ما تكلفوا به في بيان وجه المناسبة ، أن بعضهم - كابن العربي المالكي - التجأ إلى تحريف الحديث حتى تتم المناسبة ، فإنه على أساس تحريفه تتم بكل وضوح ، لكن الكلام في التحريف الذي ارتكبه . . وسنذكر نص عبارته فانتظر .
[1] تاريخ الطبري 2 / 439 . [2] المنهاج بشرح صحيح مسلم ، هامش القسطلاني 3 / 60 .