وفي الحقيقة ، إِنَّ المذهب الظاهري هو أَقرب المذاهب إِلى مذهب المحدّثين من جهة ، وإِلى الخوارج من جهة أُخرى ، فتشابههم مع الأَوّل لأنّهم - كما قيل - قد أحسنوا في اعتنائهم بالنصوص والمحافظة عليها ، وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أَو قياس . والثاني : تشابهم مع الخوارج ، لقطعهم بالحكم بادئ الرأي والنظر ، واتّباعهم الظواهر في الكتاب والسنّة ، حتى وقد عدَّ الظاهرية بعضٌ - كابن العربي - بأنّها طائفة من الخوارج وفرقة منهم ، فقال : « فرقة سخيفة ، مكفّرة على أَحد التأويلين ، وهي التي لا تقول إِلاّ ما قال الله ورسوله ، وتنكر النظر أَصلاً ، وتنفي التشبيه والتمثيل الذي لا يعرف الله إِلاّ به » . ثم ذكر أَمرهم بالأندلس بتأثير ابن حزم ، وقال : « ولكنه أَمر استشرى داؤه ، وعَزَّ عندنا دواؤه ، وأَفتى الجهَلة به ، فمالوا إِليه ، وغرَّهم رجل كان عندنا يقال له : ابن حزم ، انتُدِب لإبطال النظر ، وسد سبل العبر ، ونسب نفسه إِلى الظاهر اقتداءً بداود وأَشياعه ، فسوَّد القراطيس ، وأَفسد النفوس . . . » . [1] وقال ابن حزم في الإِحكام ، في فصل « في من قال ليس لأحد أَن يختار بعد أَبي حنيفة » : « وأَما من قال : ليس لأحد أَن يختار بعد أَبي حنيفة ، وأَبي يوسف وزفر بن الهذيل العنبري و . . . وقول بكر بن العلاء : ليس لأحد أَن يختار بعد التابعين من التاريخ . . . فأقول في غاية الفساد وكيد الدين لاخفاء به ، وضلال مغلق وكذب على الله تعالى . . . ويقال للحنفيين : أَليس من عجائب الدنيا تجويزكم الإِختيار والقول في دين الله بالظن الكاذب والرأي الفاسد . . . وأَما خلاف أَبي حنيفة ومالك ففرض على الأُمة ، لا نقول مباح بل فرض لا يحل تعديه . . . فالمتبع هو القرآن والسنة لا قول أَبي حنيفة ، ولا مالك ، لأن الله تعالى لم يأمرنا قط باتباعهما فمتبعهما مخالف لله تعالى . . . ! ! [2]
[1] شرح ابن العربي على سنن الترمذي 10 : 108 - 113 . [2] الإِحكام في أُصول الأَحكام 4 : 604 - 606 .