الإِمامة في الحديث والإِمامة في الفقه والاجتهاد . دور البخاري وأَهداف المتوكل لقد نشب صراع داخلي بين أَصحاب المدارس الإِسلامية ، أَعني بين أَصحاب الحديث ، وأَصحاب الكلام من المعتزلة ، وأَصحاب مدرسة القياس في العراق ، فلما رأَى المحدِّثون أَن الزمام أَفلت من أَيديهم ، وأَن المعارف التي كانت تخضع لسيطرتهم ، أَخذت تجنح إِلى الانفصال ، وتنهج نهج أَصحاب الرأي والنظر في إِقلالهم من الرواية ، واعتدادهم بأحكام العقل ، فقاموا ضدّها وأَثاروها خصومة عنيفة ، وطالت الخصومة ، واشتدّت ، وراح كلّ فريق يستند إِلى خليفة ، ويحتمي بسلطان ، ويسخِّر قواه للتنكيل بصاحبه ، وكانت هذه الخصومة على أَشدِّها بين الحجازيين والعراقيين [1] فلمّا جاء دور المتوكل ، حقق معظم أهدافه في طريقة تدوين الحديث والسنة النبوية ، وقد تحقق ذلك ولا ريب في أَنَّ شيوخ البخاري هم المقرّبون والمقدّمون على غيرهم في عصر المتوكل ، وأَنّهم الواسطة بينه وبين سائر العلماء . ومثل البخاري في عصر أَحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وابن أَبي شيبة وأَخيه عثمان ، وإِسحاق بن أَبي إسرائيل ، ومصعب الزبيري ، وابن أَبي الشوارب ، ودُحَيْم ، وإِسحاق بن راهويه ، كانت رتبته متأخرة عن هؤلاء ، لأنّهم قد اشتهروا في البلاد ويؤخذ عنهم العلم ويعمل بأحاديثهم ، واشتهار البخاري جاء بعدهم وبعد كتابته للصحيح ، وهو ما أشار اليه في قوله : ابن حجر : « . . . وخرج إِلى خراسان ووضع كتابه « الصحيح » فعظم شأنه وعلا ذكره » . [2] وأَمَّا أَهداف المتوكل في أَمر السنة : قال خليفة بن خياط : « استخلف المتوكل ، فأظهر السنة ، وتكلم بها في مجلسه ،
[1] تاريخ أبي الفداء 2 : 5 ، تمهيد لتاريخ الفلسفة : 205 - 206 ، مدرسة الكوفة للمخزومي : 49 . [2] تهذيب التهذيب 9 : 47 .