أَصلها لمباشرة الإِلباس ، لكنّا نعلم أَنَّ الغني إِذا قال للفقير : كسوتكَ هذا الثوب يعني أَنَّي باشرت إلباسَك إِياه ، فإذا تعذَّر حمله على الوضع حُمل على العرف وهو العطية » ، انتهى . وبذلك يظهر أَنَّ المنشأ للتحكّم في قول البخاري على أبي حنيفة هو رواية أبي هريرة : « فأخدَمَها هاجَرَ » ، فلفظة الإِخدام عنده للتمليك ، فأخذ بظاهرها على من يؤول . الثالث : في الهِبَةِ أيضاً قال البخاري : « إِذا حَمَلَ رَجُلٌ عَلى فَرَس فَهو كَالعُمْرى وَالصَدَقَةِ . وقالَ بَعْضُ النّاسِ : لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيها » . [1] وهذه المسألة أَيضاً من المسائل الخلافية بين البخاري وأَبي حنيفة ، فكما مرّ في المسألة السابقة : أَنَّ المال الموهوب يُتملك ويُتصرف فيه دون العارية المشروطة ، فالبخاري مَثَّلَ للِهِبة بالعُمْرَى والصَّدقة . أَمَّا العُمْرى فلقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : « من أَعَمَر عُمْرَى فهي للمُعمَر له ولورثته من بعده » . وأَمَّا الصدقة : فإنَّه يراد بها وجه الله تعالى ، فيقع القبض لله تعالى . وإِنّما يصير للفقير نيابة عن الله تعالى ، بحكم الرزق الموعود ، فلا يبقى محل للرجوع . [2] ولذلك فإنّه أَورد تحت ترجمة « باب لا يَحِلُ لأحد أَن يَرْجِعَ في هِبَتِه وصَدَقَته » [3] روايات ، وحكم بعدم جواز الرجوع في الهبة . وأَمّا مذهب « أبي حنيفة » في ذلك فهو : « أَنَّ للواهب أَن يرجع إِلى هِبته » .
[1] صحيح البخاري 2 : 61 . وفي طبعة باموق إِستانبول 3 : 145 كتاب الهبة ، باب : إِذا حمل الرجل على فرس . . . 0 2 - كشف الالتباس : 73 . [3] صحيح البخاري 3 : 142 ، كتاب الهبة .