وقال ابن حجر : والذي يظهر أَنّ البخاري أَراد الإِشارة إِلى الرّد على من قال بجواز الرجوع في الهبة . [1] نظرية الحنفية قال في « الهداية » : « وإِذا وهب هبة لأجنبي فله الرجوع فيها . وقال الشافعي : لا رجوع فيها ، وذكر دليله وتكلّم فيه . ثم قال : ولنا قوله : الواهبُ أَحقُّ بهبَته ما لم يُثبْ منها » [2] ، أَي : ما لم يعوَّض ، ولأنَّ المقصود بالهبة هو التعويض للعادة ، فتثبت ولاية الفسخ عند فواته . ثم قال : « وقوله في الكتاب : فله الرجوع ، لبيان الحكم » . أَمَّا الكراهة فلازمة ، لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : « العائدُ في هِبَتِهِ كَالْعائد في قَيْئهِ » . [3] وهذا لإستقباحه ، أَي : لا لحرمته ، لأنَّ الذي يعود في قيئه الكلب ، وفعله يوصف بالقبح لا بالحرمة . ولذلك المعنى روى البخاري عن عمر أَنّه قالَ : حَمَلْتُ عَلى فَرَس في سَبِيلِ اللهِ فَرَأَيتُهُ يُباعُ ، فَسألتُ رَسُولَ اللهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ فَقالَ : « لا تَشْتَرِهِ ، وَلا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ » . [4] وقال قتادة في عقب هذا الحديث : « ولا أَعلم القئ إِلاّ حراماً » . [5] وكما ذكرنا في محله فإنّ للبخاري - خارج صحيحه - كتباً في أَجزاء مستقلة أَعدَّ منها رسالة في الهبة ، وقد أَثبتنا أَنَّ كتب البخاري في الفقه ناظرة إِلى فقه أبي حنيفة ، ولا
[1] فتح الباري 5 : 188 . [2] الهداية 3 : 227 . [3] صحيح البخاري 3 : 215 ، مسلم 3 : 124 رقم 1622 ، أَبو داود 3 : 394 ، النسائي 6 : 265 ، ابن ماجة 2 : 797 ، الترمذي 4 : 441 . [4] صحيح البخاري 2 : 60 و 61 ، ومن طبعة إِستانبول ، 3 : 146 ، فتح الباري 5 : 246 ، عمدة القاري 13 : [190] [5] اختلاف العلماء للمروزي : 277 .