الوجه الذي ذهبت إليه الأشاعرة من أن ما يدخل في الوجود فهو بإرادته تعالى من غير واسطة سواء أكان من الأمور القائمة بذاتها أو التابعة لها من الأفعال بلا واسطة . فإنه رأي زائف ، لما دللنا عليه من أن نظام الوجود ، نظام الأسباب والمسببات وأنه لا تتعلق إرادته سبحانه على خلق شئ بلا توسيط أسبابه وعلله وقد عرفت البرهان الفلسفي على ذلك والآيات القرآنية [1] . فالأشاعرة وإن أصابوا في القول بسعة الإرادة لكنهم أخطأوا في جعل متعلقها نفس الفعل بلا واسطة ، ولا يترتب على ذلك سوى الجبر الذي يتبنونه . بل الحق تعلق إرادته على جميع الكائنات لكن عن طريق صدورها عن أسبابها وعللها . فإن القول بخروج أفعال العباد عن حيطة إرادته سبحانه لغاية تنزيهه تعالى عن وصمة القبائح والشرور يستلزم القول بإثبات الشركاء لله سبحانه بالحقيقة ، لأنه يمثل الإنسان خالقا لأفعاله مستقلا في إيجادها ، وهو كما قال صدر المتألهين : " أشنع من مذهب من جعل الأصنام والكواكب شفعاء عند الله ويلزمهم أن ما أراد ملك الملوك لا يوجد في ملكه ، وأن ما كرهه يكون موجودا فيه وذلك نقصان شنيع ، وقصور شديد في السلطنة والملكوت تعالى القيوم عن ذلك علوا كبيرا " [2] . ولكنا ، نعذر الطائفتين ، فإحداهما تعلقت فكرتها بتنزيهه سبحانه فلم تر بدا من القول بعدم سعة إرادته لأفعال العباد والأخرى أرادت توحيده وتنزيهه من الشرك والثنوية فلم تر بدا من القول بسعة إرادته . والحق إمكان الجمع بين التنزيه والتوحيد بالبيان التالي : الجهة الثالثة - إن القول بسعة إرادته سبحانه يبتني على مقدمات ثابتة : 1 - سعة قدرته وخالقيته سبحانه ، وأن كل ما في صفحة الكون من
[1] لاحظ ما ذكرناه عند البحث عن نظرية خلق الأعمال حيث قلنا بأن حقيقة الوجود حقيقة واحدة وهو يقتضي أن يكون التأثير ملازما له في جميع المراتب . ولاحظ الآيات التي ذكرناها بعده . [2] الأسفار ، ج 6 ، ص 370 .