فينسب الفعل الواحد وهو الغلبة في وقت واحد إلى نفسه ورسله . 4 يقول سبحانه : * ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) * [1] . فيعد نفسه ناصرا وفي الوقت نفسه يعد المؤمنين ناصرين أيضا . 5 يقول سبحانه : * ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرء الأكمه والأبرص بإذني ، وإذ تخرج الموتى بإذني ) * [2] . ترى أنه سبحانه ينسب أمر الخلق إلى رسوله بصراحة ، حتى أن الرسول يصف نفسه به ويقول * ( إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ) * [3] . ومع ذلك إن القرآن الكريم يخص الخالقية بالله سبحانه في كثير من الآيات التي تعرفت عليها ، ولا يحصل الجمع بين هذه الآيات إلا بالقول بأن الخالقية النابعة من الذات غير المعتمدة على شئ تختص به سبحانه ، ومثله سائر الأفعال من الرزق والزرع والغلبة والنصرة ، فالكل بالمعنى السابق مختص به سبحانه لا يعدوه ، لأنها من خصائص الواجب ولا يتصف بها الممكن . وأما الفعل المعتمد على الواجب المستمد منه فهو من شأن العبد يقوم به بإقدار منه سبحانه وإذن . ولأجل ذلك يكرر سبحانه لفظة " بإذني " أو " بإذن الله " في الآيات المتقدمة وهذا واضح لمن عرف الفباء القرآن . والأشعري ومن تبعه قصروا النظر على قسم واحد ، وغفلوا عن القسم الآخر ، ولا يقف على ذلك إلا من فسر الآيات تفسيرا موضوعيا [4] .
[1] سورة محمد : الآية 10 . [2] سورة المائدة : الآية 110 . [3] سورة آل عمران : الآية 49 . [4] المراد من تفسير الموضوعي هو جمع الآيات الواردة حول موضوع ما ، ثم عرض بعضها على البعض الآخر ، حتى يتبين المراد والمفهوم . وهذا نمط وطراز حديث من التفسير أبدعه شيخنا الأستاذ العلامة جعفر السبحاني وخرج منه أجزاء خمسة باسم " مفاهيم القرآن " .