لموجودات على صفحة الوجود ، وإن كان علة لظهور الأشياء ، لكنه ليس بالعلة الوحيدة القائمة مقام الأسباب والعلل المتأخرة ( كما عليه الأشاعرة المنكرين للأسباب والمسببات ) بل هناك أسباب ومسببات كثيرة يؤثر كل سبب في مسببه بإذنه سبحانه ومشيئته . وفي خلال تلك الأسباب سببية الإنسان لفعله بإذنه سبحانه فتعلق علمه على أن يكون الإنسان في معترك الحياة فاعلا مختارا وسببا حرا لما يفعل ويترك . فكون مثل هذا السبب متعلقا لعلمه العنائي المبدأ لفيضان الموجودات ، لا ينتج الجبر بل ينتج الاختيار . أفعال العباد وإرادته الأزلية قد عرفت أن القضاء العلمي عند الأشاعرة هو عبارة عن تعلق إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال . وعند ذلك يتحد هذا التفسير مع التفسير السابق إشكالا وجوابا . وبما أن سنبحث في فصل الجبر والاختيار عن شمول إرادته سبحانه لأفعال العباد وعدمه ، فنترك التفصيل إلى مكانه . وسيوافيك أن شمول إرادته سبحانه لجميع الكائنات عموما وأفعال الإنسان خصوصا مما لا مناص عنه ، كتابا وسنة وعقلا ( وإن خالف في ذلك كثير من العدلية حذرا من لزوم الجبر ) . لكن القول بعموم الإرادة وشمولها للأفعال الاختيارية لا ينتج الجبر كما أوضحنا حاله في العلم . هذا حال التقدير والقضاء العلميين والنتيجة التي تترتب على هذه العقيدة حسب تحليل الأشاعرة وتحليلنا . وبقي هنا بحث وهو سرد بعض الروايات الواردة في القضاء والقدر في الصحاح والمسانيد التي لا تتخلف عن الجبر قيد شعرة ، وعرضها على الكتاب والسنة والعقل ليعلم ناسجها ومصدرها . ويتلوه بحث في تفسير " القدرية " الواردة في الأخبار . * * *