والذي نركز عليه هو أن الاستواء في الآية ليس ظاهرا في معنى الجلوس والاعتماد على الشئ ، بل المراد هو الاستيلاء والتمكن التام ، كناية عن سعة قدرته وتدبيره . وقد استعمل الاستيلاء بهذا المعنى في غير واحد من أبيات الشعر . قال الأخطل يمدح بشرا أخا عبد الملك بن مروان حين ولي إمرة العراق : ثم استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق [1] وقال آخر : فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر إن المقصود هو استيلاء بشر على العراق وقوم القائل في البيت الثاني على العدو . وليس العلو ها هنا علوا حسيا بل معنويا . إذا عرفت ذلك فنقول ، لو أخذنا بالمعنى الحرفي للعرش ، كما هو المتبادر من قوله سبحانه : * ( ولها عرش عظيم ) * [2] ، فيجب أن نقول إن لله سبحانه عرشا ، كعروش الملوك والسلاطين . وعند ذلك يتمحض المراد من استوائه عليه ، بالجلوس عليه متمكنا . وأما لو نبذنا هذا المعنى ، وقلنا بأن المراد من الظاهر هو الظهور التصديقي . وهو المتبادر من مجموع الآية بعد الامعان في القرائن الحافة بتلك الجملة ، يكون المراد من الآية هو الكناية عن استيلائه على ملكه في الدنيا والآخرة وتدبيره من دون استعانة بأحد . والجمل الواردة في كثير من الآيات الحاكية عن استوائه على العرش تدل أن
[1] البداية والنهاية ، ج 9 ، ص 7 [2] سورة النمل : الآية 23 .