يلاحظ عليه : إن الاستدلال مبني على كون الأمر بالكون في الآية ونظائرها أمر لفظي مؤلف من الحروف والأصوات وأنه سبحانه كالسلطان الآمر ، فكما أنه يتوسل عند أمره وزراءه وأعوانه باللفظ ، فهكذا سبحانه يتوسل عند خلق السماوات والأرض باللفظ والقول ، فيخاطب المعدوم المطلق بلفظة " كن " . ولا شك أن هذا الاحتمال باطل جدا ، إذ لا معنى لخطاب المعدوم . وما يقال في تصحيحه بأن المعدوم معلوم لله تعالى فهو يعلم الشئ قبل وجوده وأنه سيوجد في وقت كذا ، غير مفيد ، لأن العلم بالشئ لا يصحح الخطاب ، وإن كنت في شك من ذلك فلاحظ النجار الذي يريد صناعة الكرسي بالمعدات والآلات ، فهل يصح أن يخاطبها بهذا اللفظ ، هذا وإن كان بين المثال والممثل له فرق أو فروق . وإنما المراد من الأمر في الآية ، كما فهمه جمهور المسلمين ، هو الأمر التكويني المعبر عن تعلق الإرادة القطعية بإيجاد الشئ ، والمقصود من الآية أن تعلق إرادته سبحانه يعقبه وجوده ، ولا يأبى عنه الشئ . وأن ما قضاه من الأمور وأراد كونه فإنه يتكون ويدخل في حيز الوجود من غير امتناع ولا توقف ، كالمأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل ، لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه الإباء . وبذلك تقف على الفرق بين الأمر التكليفي التشريعي الوارد في الكتاب والسنة ، والأمر التكويني . فالأول يخاطب به الإنسان العاقل للتكليف ولا يخاطب به غيره فضلا عن المعدوم . وهذا بخلاف الأمر التكويني فإنه رمز لتعلق الإرادة القطعية بإيجاد المعدوم . وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يفسر الأمر التكويني بقوله " يقول لما أراد كونه كن ، فيكون . لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعل منه ، أنشأه ومثله ، لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان