الكون فإن إصرارهم على كشف النظم فرع الإيمان بوجودها فيها ، ولا يحصل الإيمان والإذعان إلا لمن اعتقد خضوع العالم لقوة كبرى عالمة قادرة ، أجرت فيها السنن . وإلا فالاعتقاد بأزلية المادة وكون السنن الحكيمة وليدة التصادف لا يوجب أي إذعان بوجود النظم في جميع أجزاء العالم ، قريبها ونائيها . وبعبارة أوضح إن كل مستكشف قبل الشروع في الاستكشاف ذو عقيدة خاصة ، وهي أن كل ذرة من ذرات هذا العالم حيها وميتها ، قريبها وبعيدها ، ومشتملة على قانون يريد هو أن يستكشفه ويفرغه في قالب العلم ، فعندئذ نسأل من أين حصل لهذا المكتشف هذا الاذعان والاعتقاد . لا بد أن يكون لهذا العلم مبدأ ومصدر ، فما هذا المنشأ ؟ . فإن قال : " إني أعتقد بأن مجموع العالم إبداع قوة كبرى ذات علم وقدرة هائلين أوجدت العالم بعلمها وقدرتها وحكمتها " ، لصح له أن يعتقد بأن كل جزء من أجزاء هذا العالم ذو نظام ، لأن فعل العالم القادر الحكيم لا ينفك عن النظم ولا يوجد فيه اختلال ولا اضطراب . وإن قال : " إني أعتقد بأزلية المادة وأن المادة الصماء صارت ذات نظام في ظل الصدفة طيلة الأزمنة المتمادية " ، فيقال له إن الاعتقاد بالصدفة لا يلازم الاذعان بالنظام مائة بالمائة بل يحتمل أن يوجد هناك نظام كما يحتمل أن لا يوجد . فتفسير الاذعان بوجود النظام مائة بالمائة عن طريق الاعتقاد بالصدفة باطل جدا لأنه من قبل تفسير العلم القطعي ، بشئ لا يوجد العلم بل يوجد الاحتمال ، لأن الاعتقاد بالصدفة مبدأ لاحتمال وجود النظام لا الاذعان بوجوده ، فلا بد لهذا الاذعان من علة أخرى غير الصدفة ، وليس هي إلا