لكن حياة مناسبة لمقامه الأسمى ، بحذف الزوائد والنواقص والأخذ بالنخبة والزبدة واللب والمعنى ، فهو سبحانه حي أي " فاعل " و " مدرك " وإن شئت قلت " فعال " و " دراك " لا كفعالية الممكنات ودراكيتها . تمثيل لتصوير التطوير في الاطلاق ما ذكرناه في حقيقة الحياة ، وأن العقل بعد ملاحظة مراتبها ينتزع مفهوما وسيعا ينطبق على جميعها ، أمر رائج . مثلا : إن لفظ " المصباح " كان يطلق في البداية على الغصن المشتعل ، غير أن تطور حسب تطور الحضارة والتمدن ، فأصبح يطلق على كل مشتعل بالزيت والنفط والغاز والكهرباء بمفهوم واحد ، وما ذاك إلا لأن الحقيقة المقومة لصحة الاطلاق : كون الشئ ظاهرا بنفسه ، مظهرا لغيره ومنيرا ما حوله . وهذه الحقيقة - مع اختلاف مراتبها - موجودة في جميع المصاديق ، وفي المصباح الكهربائي على نحو أتم . إن من الوهم تفسير حياة الباري من خلال ما نلمسه من الحياة الموجودة في النبات والحيوان والإنسان . كما أن من الوهم أن يتصور أن حياته رهن فعل وانفعال كيميائي أو فيزيائي ، إذ كل ذلك ليس دخيلا في حقيقة الحياة وإن كان دخيلا في تحققها في بعض مراتبها ، إذ لولا هذه الأفعال الكيميائية أو الفيزيائية ، لامتنعت الحياة في الموجودات الطبيعية . لكن دخالته في مرتبة خاصة لا يعد دليلا على كونه دخيلا في حقيقتها مطلقا . كما أن اشتعال المصباح بالفتيلة في كثير من أقسامه لا يعد دليلا لكونها مقومة لحقيقة المصباح وإن كانت كذلك لبعض أقسامه . وعندئذ نخرج بالنتيجة التالية وهي إن المقوم للحياة كون الموجود عالما وعاملا ، مدركا وفاعلا ، فعالا ودراكا ، أو ما شئت فعبر .