تفسيره والشيخ عبده في رسالة التوحيد [1] ، فهما من قادة هذا المذاهب بين أهل السنة ، ولكن غيرهما بين جبري لا يرى للإنسان حرية واختيارا ، وتفويضي وقع في حبال الشرك . نعم ، قد انقرضت الطائفة الثانية بانقراض المعتزلة بالسيوف التي سلطت عليهم فلم يبق منهم ولا من آثارهم وكتبهم إلا شيئا لا يذكر . وأما حقيقة هذا المذهب فتتعين في ظل أمور : [2] . الأول - الإمكان في الماهية غير الإمكان في الوجود إن الإمكان تارة يقع وصفا للماهية وأخرى وصفا للوجود ، والمقصود منه في الأول تساوي ماهية الشئ بالنسبة إلى الوجود والعدم ، بمعنى أنها واقعة في مركز الدائرة ، فلا تخرج عنه إلى أحد الطرفين ، إلا بعامل يخرجها عن حالة التساوي ويضفي عليها لزوم الاتصاف بأحدهما ، وهذا واضح . وأما إذا وقعت وصفا للوجود بما هو وجود الذي يعبر عنه بالوجود الإمكاني ويعد فعلا للواجب ، فليس معنى إمكانه تساوي نسبته إلى الوجود والعدم ، لأن ثبوت الشئ لنفسه ضروري ، وسلبه عنه ممتنع فلا معنى لأن يقال إن نسبة الوجود إلى الوجود الإمكاني تساوي نسبته إلى العدم ، بل نسبة الوجود إليه ضرورية ونسبة العدم إليه ممتنعة . بل معنى توصيف الوجود بالإمكان عبارة عن كونه قائما بالعلة بجميع شؤونه وخصوصياته . فكلما وصف الوجود بما هو وجود عار عن الماهية ، وصادر عن العلة الواجبة ، يراد منه التعلق والقيام ، والصلة والارتباط لا التساوي . فافهم ذلك .
[1] سيوافيك نصوصهما في مطاف البحث . [2] وقد أوعزنا إليها في الأبحاث السابقة عند الرد على نظرية الطائفتين من الأشاعرة والمفوضة فلاحظ .