مناهج الاختيار ( 3 ) الاختيار في مذهب الأمر بين الأمرين إن أصحاب المناهج الفكرية ، في مسألة أفعال الإنسان ، اعتقدوا بأن الحق ينحصر في القول بالجبر أو التفويض وأنه ليس هناك طريق ثالث يسلكه الإنسان الباحث ويحفظ أساس القول بهما . وقد عرفت أن الجنوح إلى الجبر في العصور الأولى كان لأجل التحفظ على التوحيد الأفعالي وأنه لا خالق إلى هو . كما أن الانحياز إلى التفويض كان لغاية التحفظ على عدله سبحانه فالأشاعرة جنحوا إلى الجبر حرصا على الأصل الأول ، والمعتزلة إلى الثاني حرصا على أصل العدل . وكلا الطرفين غفل عن نظرية ثالثة يوافقها العقل ويدعمها الكتاب والسنة وفيها الحفاظ على كل من أصل التوحيد والعدل ، مع نزاهتها ، عن مضاعفات القولين . فإن في القول بالجبر بطلان البعث والتكليف ، وفي القول بالتفويض الثنوية والشرك . فهذه النظرية الثالثة ، جامعة وحافظة لما يتبناه الطرفان من الأصول وفي الوقت نفسه منزهة عن التوالي والمفاسد . وهذا هو مذهب الأمر بين الأمرين الذي لم يزل أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) يحثون عليه ، من لدن حمي وطيس الجدال في أفعال الإنسان من حيث القضاء والقدر أو غيرهما . غير أن أكثر المتكلمين من السنة لم يقفوا على تلك النظرية بتاتا أو لم يتأملوا فيها . وقل فيهم من تأمل فيها وصرح بصدقها كالإمام الرازي في