المشركين [1] ، ضاربا ثبجهم [2] ، آخذا بأكظامهم ، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة [3] ، يكسر الأصنام وينكت الهام [4] حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، حتى تفرى الليل عن صبحه [5] وأسفر الحق عن محضه [6] ، ونطق زعيم الدين [7] ، وخرست شقاشق الشياطين [8] ، وطاح وشيظ النفاق [9] ، وانحلت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الإخلاص [10] في نفر من البيض الخماص [11] ، وكنتم على شفا
[1] المدرجة : المذهب والمسلك . وفي الكشف : " ناكبا عن سنن مدرجة المشركين " وفي رواية ابن أبي طاهر " مائلا على مدرجة " أي قائما للرد عليهم ، وهو تصحيف . [2] الثبج بالتحريك : وسط الشئ ومعظمه ، والكظم بالتحريك : مخرج النفس من الحلق ، أي كان صلى الله عليه وآله لا يبالي بكثرة المشركين واجتماعهم ولا يداريهم في الدعوة . [3] كما أمره سبحانه : " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " . وقيل : المراد بالحكمة : البراهين القاطعة ، وهي للخواص وبالموعظة الحسنة ، : الخطابات المقنعة والعبر النافعة ، وهي للعوام ، وبالمجادلة التي هي أحسن : إلزام المعاندين والجاحدين بالمقدمات المشهورة والمسلمة ، وأما المغالطات والشعريات فلا يناسب درجة أصحاب النبوات . [4] النكت : إلقاء الرجل على رأسه ، ويقال : طعنه فنكته . والهام جمع الهامة ، بالتخفيف فيهما ، وهي الرأس والمراد قتل رؤساء المشركين ، وقمعهم وإذلالهم ، أو المشركين مطلقا وقيل : أريد به إلقاء الأصنام على رؤوسها ، ولا يخفى بعده لا سيما بالنظر إلى ما بعده . وفي بعض النسخ : " ينكس الهام " وفي الكشف وغيره : " يجذ الأصنام " ومن قولهم : جذذت الشئ : كسرته . ومنه قوله تعالى : " فجعلهم جذاذا " . [5] الواو مكان حتى كما في رواية ابن أبي طاهر أظهر : و " تفرى الليل " أي انشق حتى ظهر ضوء الصباح . [6] يقال : " أسفر الصبح " أي أضاء . [7] زعيم القوم : سيدهم والمتكلم عنهم . والزعيم أيضا الكفيل . والإضافة لامية ، ويحتمل البيانية . [8] خرس بكسر الراء . والشقاشق جمع شقشقة بالكسر ، وهي شئ كالرية يخرجها البعير من فيه إذا هاج . وإذا قالوا للخطيب : ذو شقشقة فإنما يشبه بالفحل . وإسناد الخرس إلى الشقاشق مجازي . [9] يقال : طاح فلان يطوح ، إذا هلك أو أشرف على الهلاك وتاه في الأرض وسقط . والوشيظ بالمعجمتين : الرذل والسفلة من الناس ، ومنه قولهم : إياكم والوشايظ . وقال الجوهري : " الوشيظ : لفيف من الناس " ليس " أصلهم واحد " ا " أو بنو فلان وشيظة في قومهم أي هم حشو فيهم . والوسيط بالمهملتين : أشرف القوم نسبا وأرفعهم محلا : وكذا في بعض النسخ وهو أيضا مناسب . [10] يقال : فاه فلان بالكلام - كقال - أي لفظ به ، كتفوه . وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد . وفيه تعريض بأنه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم . [11] البيض : جمع أبيض وهو من الناس خلاف الأسود . والخماص بالكسر : جمع خميص ، والخماصة تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام ، يقال : فلان خميص البطن من أموال الناس ، أي عفيف عنها . وفي الحديث : " كالطير تغدو خماصا ، وتروح بطانا " . والمراد بالبيض الخماص إما أهل البيت عليهم السلام ويؤيده ما في كشف الغمة : " في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " ، ووصفهم بالبيض لبياض وجوههم ، أو هو من قبيل وصف الرجل بالأغر ، وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلة الأكل ولعفتهم عن أكل أموال الناس بالباطل . أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان - رضي الله عنه - وغيره ، ويقال لأهل فارس : بيض ، لغلبة البياض على ألوانهم وأموالهم ، إذا الغالب في أموالهم الفضة ، كما يقال لأهل الشام : حمر ، لحمرة ألوانهم وغلبة الذهب في أموالهم ، والأول أظهر . ويمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين فيكون المراد بهم غير الراسخين الكاملين في الإيمان ، وبالبيض الخماص الكمل منهم .