الأمور [1] ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور [2] ، ابتعثه الله تعالى إتماما لأمره [3] وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير حتمه [4] . فرأى الأمم فرقا في أديانها ، عكفا على نيرانها [5] عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها [6] . فأنار الله بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ظلمها [7] وكشف عن القلوب بهمها [8] ، وجلى عن الأبصار غممها [9] وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية [10] ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم . ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار [11] ورغبة وإيثار بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) [12] عن تعب هذه الدار في راحة ، قد حف بالملائكة
[1] على صيغة الجمع أي عواقبها ، وفي بعض النسخ بصيغة المفرد . [2] أي لمعرفته تعالى بما يصلح وينبغي من أزمنة الأمور الممكنة ، المقدورة وأمكنتها ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدر ، بل هو أظهر . [3] أي للحكمة التي خلق الأشياء لأجلها . [4] الإضافة في " مقادير حتمه " من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، أي مقاديره المحتومة . [5] تفصيل وبيان للفرق بذكر بعضها ، يقال : عكف على الشئ - كضرب ونصر - أي أقبل عليه مواظبا ولازمه فهو عاكف ، ويجمع على عكف بضم العين وفتح الكاف المشددة كما هو الغالب في فاعل الصفة نحو شهد وغيب . والنيران جمع نار وهو قياس مطرد في جمع الأجوف نحو تيجان وجيران . [6] لكون معرفته تعالى فطرية ، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة على وجوده سبحانه . [7] الضمير في " ظلمها " راجع إلى الأمم ، والضميران التاليان له يمكن إرجاعهما إليها وإلى القلوب والأبصار . والظلم بضم الظاء وفتح اللام : جمع ظلمة ، استعيرت هنا للجهالة . [8] البهم : جمع بهمة بالضم ، وهي مشكلات الأمور . [9] جلوت الأمر : أوضحته وكشفته . والغمم : جمع غمة . يقال : أمر غمة ، أي مبهم ملتبس ، قال الله تعالى : " ثم لا يكن أمركم عليكم غمة " قال أبو عبيدة : مجازها ظلمة وضيق ، وتقول غممت الشئ إذا غطيته وسترته . [10] العماية : الغواية واللجاج ، ذكره الفيروزآبادي . [11] واختيار ، أي من الله له ما هو خير له ، أو باختيار منه صلى الله عليه وآله ورضا ، وكذا الإيثار ، والأول أظهر فيهما . [12] لعل الظرف متعلق بالإيثار بتضمين معنى الضنة أو نحوها ، وفي بعض النسخ : " محمد " بدون الباء فتكون الجملة استينافية ، أو مؤكدة للفقرة السابقة أو حالية بتقدير الواو . وفي بعض كتب المناقب القديمة " فمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " وهو أظهر . وفي رواية كشف الغمة : " رغبة بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن تعب هذه الدار " وفي رواية أحمد بن أبي طاهر : " بأبي عزت هذه الدار " ولعل المراد بالدار دار القرار ، ولو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة . وعلى التقادير لا يخلو من تكلف .