لعلكم تتقون " عنها أي تحتزرون عن الخيانة بعد ذلك وتعظمون مكانتها . جعلنا الله من الحاملين أمانته والراعين عهده ، الموفين به الوارثين جنته ، بمحمد وآله أجمعين . وإذ فرغنا من كلام الله تعالى ، فلنشرع في كلام الأنبياء ( عليهم السلام ) ومنها قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " من وضع الحكمة في غير أهلها جهل ، ومن منع عن أهلها ظلم " " أن للحكمة حقا ، وأن لها أهلا : فأعط كل ذي حق حقه " وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " أن من العلم كهيئة المكنون ، لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله ، فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله " وغير ذلك من الأقوال المعلومة لأهلها . والغرض أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر بذلك وفعل بنفسه ، لأنه إذا أراد إيداع مثل هذه الأسرار في قلوب أصحابه وخواصه كان يخلو بهم ويقول في آذانهم ، كما فعل بأمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وأخبر عنه أمير المؤمنين بقوله " تعلمت من رسول الله ألف باب من العلم ، وفتح الله تعالى لي بكل باب ألف باب " وإلى كتمانه وإخفائه بنفسه عن الأغيار أشار أيضا بقوله " اندمجت على مكنون علم ، لو أبحت به لاضطربتهم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة " . وإلى ثمرة إظهاره - أعني من الفساد - أشار أيضا وقال " والله لو شئت أن أخبر بكل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكني أخاف أن يكفروا برسول الله " وهذا أمر منه بإخفاء أسرار الله وكتمانها وكناية عن إخفائها ولهذا لما قال له الخصم " أنت تتكلم بالغيب " قال ويحك ! أن هذا ليس بغيب ، ولكنه علم تعلمت من ذي علم " أراد به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وكما فعل بسلمان أيضا ، أي جعله صاحب سر وقال فيه : " سلمان منا أهل البيت " أي من أهل بيت التوحيد والعلم والمعرفة والحكمة لا من أهل بيت النسوان والصبيان والأهل والأولاد ، وقال تأكيدا لهذا المعنى : " لو علم أبو ذر ما في بطن سلمان من الحكمة لكفره ! " وروي " لقتله ! " وكلاهما صحيح فأنظر إلى عظمة السر المودع عند سلمان ، وعلى المبالغة في كتمان أسرار الله تعالى حيث عرفت أن كبار الصحابة كانوا يخفون بعضهم عن بعض حتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولعظمة شأن سلمان وقربه إلى حضرة الرحمان قال عليه السلام : " الجنة أشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة " وكذلك لجلالة قدر أويس القرني ( رحمه الله ) لاطلاعه على أسرار الله تعالى كشفا وذوقا ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حقه حيث كان