سلوك عملي نمشي به في الناس ، على أن تسبيح الزهراء ، قد صبه النبي في إطار تربوي عميق حين جعله يبدأ بالله وينتهي بالله عز وجل . إن نظرة فاحصة نلقيها على هيكل التسبيح المذكور ، ترينا بوضوح ، أن التسبيح مؤلف من أربع وثلاثين تكبيرة وثلاث وثلاثين تحميدة . . وثلاث وثلاثين تسبيحة وهذا يعني أنه بدأ بالله أكبر . فأول كلمة في التسبيح كلمة الله إذ أنه لو بدأ مثلا في التحميد لكانت أول كلمة فيه كلمة الحمد وليس كلمة الله ، وهكذا أراد النبي لهذا التسبيح أن يصب في قالب تربوي كما هو شأن كل الشعائر الإسلامية . . فجعله يبدأ بالله أكبر . . وينتهي بسبحان الله إنه بدأ بالله وختم بالله . . وهذا هو المراد من الإطار التربوي في منهج التسبيح . . وهو موافق لسلسلة الفكر الإسلامي في القرآن الكريم . . . فنحن نعرف أن أول كلمة نزلت في القرآن هي : * ( اقرأ باسم ربك الذي خلق . . ) * والرب كلمة مشتقة من التربية ، بمعنى أن القراءة المطلوبة يجب أن تكون في إطار التربية الربانية . . وإلا لكأن يقول : اقرأ باسم الله الذي خلق . . . ولكنه لم يقل باسم الله الذي خلق ، في هذه السورة بالذات ، وإنما قال : * ( اقرأ باسم ربك الذي خلق . . . ) * هذا بالإضافة إلى أن القراءة معناها تغذية العقل ، لأن العقل يتغذى بالعلم ، ومن دون علم تموت العقول ، وحين يقول الحق سبحانه : اقرأ باسم ربك . . فإن ذلك يعني غذ عقلك بالتربية العلمية ، حتى يصل عقلك إلى مرحلة الرشد الفكري . إن لفاطمة الزهراء - سلام الله عليها - قدرة عجيبة ، ومدهشة على تصوير المعاني الجافة وإعطائها صورا حية ، ثم منحها ريشا رقيقا فيه المعاني في أرفع درجات الفهم ، والاستيعاب وأن قدرتها كما قلت آنفا - على تصوير قضايا الإسلام تصويرا دقيقا ، لمدهشة جدا ، فما من كلمة تقولها فاطمة ، وما من دمعة تسكبها من عينها ، وما من خطوة تخطوها فاطمة إلا صورت الإسلام بكل أبعاده تصويرا حقيقيا وواضحا ، يبهر الألباب ويأخذ بمجامع القلوب . وهذه ميزة في أهل البيت لا يشاركهم فيها أحد من العالمين . . . بخلاف غيرهم من الناس ، أو بتعبير أكثر دقة بخلاف الآخرين . . فالإسلام الذي يعرضه الآخرون يبدو إسلاما مزيفا مرقعا مهلهلا يضرب بعضه بعضا في حين أن الإسلام الذي يعرضه أهل البيت ( عليهم السلام ) يبدوا إسلاما يشد بعضه بعضا ، وله نور وعليه حلاوة وجمال رشيق ، له قوة جذب شديدة ، وبكلمة : الحديث