ولا أغالي إذا ذهبت إلى القول بأن حياة الإمام كاشف الغطاء كانت موقوفة في إقامة صرح الوحدة الاسلامية المباركة ، ونبذ الاختلاف ، والالتفات إلى ما يحيط بهذه الأمة من أخطار جسيمة ، وما يدبره لها أعداؤها من مكائد ودسائس ومؤامرات ، وبأشكال ومسارب مختلفة ، يصطبغ بعضها بألوان باهتة يراد منها خداع السطحيين والساذجين من رجال هذه الأمة ، وجرهم إلى المزيد من المواجهة والاقتتال في ميادين وسخة غير نزيهة ، حين ينخر أعداؤهم ذلك البنيان العظيم الذي وضع لبناته الأولى نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ، وشاد صرحه الصادقون من رجال هذا الدين والذين يتقدمهم أهل بيت العصمة عليهم السلام . بيد أن البعض وذلك غير خاف على أحد لم يكن تروقه تلك الدعوات الصادقة الصادرة من القلب ، والمرتكزة على قواعد الاسلام الحنيف ، حيث كان يعمل بمعاول الهدم في ذلك البنيان المقدس ، وباسم الدفاع عن الاسلام ! والذود عن حريمه ! وما ذلك إلا عين النفاق ومرآة الانحراف [1] .
[1] الغريب أن تجد ورغم كل ما بادر ويبادر إليه العديد من أعلام الطائفة ومفكريها من خطوات جادة ، ودعوات صادقة للتقريب والتقارب بين المذاهب الاسلامية جملة من النفوس السوداوية المشخصة الارتكاز التي لا ترعوي أمام كلمة الحق ، ولا تصيخ له سمعا تعمد جاهدة لقلب الحقائق أمام ناظري المسلمين بصلافة وسماجة يصاحبهما إصرار عجيب على تلك المواقف الخاطئة والمنحرفة ، والتي لقت الأمة الاسلامية منها الكثير من المصائب والويلات . وأقول بصدق : إن القلم قد يشتط بصاحبه بعيدا إذا أطلق له العنان في هذا المرتكض الواسع والكبير ، والملئ بالحسرة بالألم ، بيد أن لا بد له من أن يكبح جماحه ما استطاع ذلك ، نئيا عن الوقوع في المزالق التي يريد ذلك البعض دفع الآخرين إليها بمكر وخبث . ومن هنا فقد جهدت في أن أكتفي بمجرد الإشارة العابرة إلى شئ من تلك المواقف المشينة للبعض من المتاجرين زورا باسم الاسلام ، وعقائده العظيمة ، من التي لا يجد المرء لها إلا تفسيرا واحدا وهو العمل على تمزيق وحدة المسلمين ، وتكريس حالة التنافر المصطنعة الخبيثة بينهم ، من التي أمكن لأعداء هذا الدين التسلل من خللها ومنافذها الواسعة وضربه في أكثر نقاطه حساسية وخطورة . نعم ، فإن من يتأمل مثلا صفحات كتاب الجبهان الموسوم ب ( تبديد الظلام ) يجد عين هذه الحقيقة ماثلة للعيان ، بل ولا بد له أن ينتابه الذهول وهو ينتقل بين أسطره وصفحاته التي سودها بالكثير من العبارات المليئة بالسباب والفحش من القول ، ومن الذي قد يتنزه بعض السوقة عن التلفظ به أمام جمع من الناس ، ناهيك عن كتاب يدعو فيه صاحبه ظلما وبهتانا إلى حماية الدين والذود عن حرماته . ولعل الفصل الخاص الذي أفرده الجبهان لمناقشة كتابنا هذا كان من السقم والتلاعب بالألفاظ حدا لا يعسر على أي طالب مبتدئ في العلوم الحوزية أن يتصدى لمناقشته وتفنيد دعاواه ، وإلقامه حجرا يخرسه ويوقفه عن هذره الممجوج ، بيد أن أي شخص آخر لا يستطيع أن يجاري الجبهان في ما استهدف به شخص الشيخ كاشف الغطاء من السباب والكلام البذئ والعبارات الفاحشة ، التي نتنزه عن حتى مجرد الإشارة إليها بلى لقد كان جزاء الإمام كاشف الغطاء رحمه الله تعالى من الجبهان ومن لف لفه من الساعين في إذكاء الفتن وتأجيجها بين المذاهب الاسلامية المختلفة ، وبأسم الدين هذا الجزاء ، معرضين بصلافة عن سيرة هذا الرجل الذي أوقف حياته في العمل على التقريب بين المسلمين ، والذود عن حرماتهم ، والدفاع عن مقدساتهم ، بل وجاب البلاد الاسلامية طولا وعرضا ، داعيا إلى نبذ الخلاف ، وتوحيد الكلمة ، وأن يحب المسلم أخاه المسلم كحبه لنفسه ، لا فرق بين مذهب وآخر ، ولا بين طائفة وأخرى . نعم لقد كان جزاؤه من الجبهان فحش القول ، وبذئ الكلام . . فهل تجد أصدق مقولة تعبر عن هذه الحالة إلا قول القائل : وكل إناء بالذي فيه ينضح ؟ .