المخاض ، وعسر الخطب ، كنتيجة منطقية لتقادم السنين ، وترسب العديد من الاعتقادات النفسية السلبية الظن بالآخرين ، والبعيدة كل البعد عن أرض الواقع ، وحقيقة العقائد التي تحاول الانتساب إليها . ولقد شهدت الشعوب الاسلامية وطوال حقب مترادفة نماذج صادقة من تلك الجهود والنوايا الصادقة ، التي تشكل أمنية عظيمة سامية تتعلق بها قلوب جميع المخلصين من رجال الأمة ، لعلماء ومفكرين وباحثين أنفقوا شطرا كبيرا من حياتهم سعيا وجهدا دائبين في هذا الميدان المقدس والعظيم . والحق يقال : إن شيخنا كاشف الغطاء رحمه الله تعالى برحمته الواسعة كان من كبار رواد هذا الميدان المبارك من خلال سعيه الدؤوب المتواصل في التقريب بين المذاهب الاسلامية ، من خلال مؤلفاته ، وخطبه ، ومذكراته ، مواقفه المتكررة الموشية بحالة القلق والتوجس المرير الذي ينتابه من استمرار حالة الأمة على ما هي عليه من الاختلاف والتنافر والتقاطع رغم شدة التقارب ووضوحه بين مذاهبها [1] .
[1] فمن نداء له رحمه الله تعالى كتبه أيام مرضه الذي أودى بحياته وكان حينها راقدا في مستشفى الكرخ ووجهه إلى الطوائف الاسلامية في البحرين نشرته جريدة اليقظة بتأريخ 4 / 7 / 1954 يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم [ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ] [ آل عمران 3 : 102 - 103 ] . كل ذي حس وشعور يعلم أن المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى الاتفاق والتآلف ، وجمع الكلمة وتوحيد الصفوف ، وأن ينضم بعضهم إلى بعض كالبنيان المرصوص ، ولا يدعوا مجالا لأي شئ مما يثير الشحناء والبغضاء ، والتقاطع والعداء ، فإن كل ما يقع من هذا القبيل بين المسلمين في الوطن الواحد ، أو في أوطان متباعدة هو أعظم سلاح للمستعمرين ، بل هو قرة عين لهم . وما نشبت مخالب الأجانب في في الممالك الاسلامية والبلاد العربية إلا بإلقاح الفتن بينهم ، وإثارة النعرات الطائفية والإقليمية فيهم ، يضرب بعضهم ببعض ، ويذيق بعضهم بأس بعض ، وتكون للمستعمر الغنيمة الباردة ، والربح والفائدة والخسران والوبال علينا .