الخوض في غماره ، واجتياز عبابه ، وهذا الأمر ما كان يمتلكه الشيخ كاشف الغطاء ، فوق في ذلك أيما توفيق . والحق يقال : إن امتلاك هذه القدرات الواسعة في جملة تلك العلوم قد مهدت السبيل أمام شيخنا المترجم للتربع على عرش المرجعية العامة للشيعة ، والتي تعد بحق شرفا عظيما ، ومنزلة رفيعة ، لا ينالها إلا القلة من ذوي الجد والاجتهاد ، والتقوى والإيمان . ففي عام ( 1337 ه ) وبعد وفاة السيد اليزدي رحمه الله تعالى والذي كان يعد مرجعا كبيرا من مراجع التقليد اتجهت الأبصار نحو الشيخ كاشف الغطاء ، فتوافد على درسه الفضلاء والعلماء ، وتطلعوا عن كثب مدى ما ينسب إليه من كبير الفضل ، وعظيم المنزلة ، فوجدوا الوصف عن الموصوف ، والحقيقة تقصر عنها الحكاية ، فأقر الجميع بعلميته ، وثنيت له الوسادة ، وشاع في الأصقاع ما عليه من تلك السمات المؤهلة لتسنم المرجعية الشيعية ، فتعاظم عدد مقلديه في أنحاء العالم المختلفة ، مما دفعه ذلك بعد نشره لرسائله العملية إلى إعادة طبعها مرارا وتكرارا ، لزيادة الطلب عليها ، وتكاثر أعداد مقلديه . وهكذا فقد توطدت مرجعية الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ، وكان ذاك إيذانا لتحمله عبء أعظم المسؤوليات المناطة بمراجع الأمة ، لا سيما وقد كان العالم الاسلامي أبان تلك الحقبة يشهد جملة واسعة من التغيرات والتطورات والانتكاسات التي تستلزم معالجة واقعية حاسمة ، ومواقفا شجاعة ثابتة لدرء حالات النكوص والانهزام والتبعثر التي أصبحت سمة غالبة مشخصة لواقع المجتمع الاسلامي آنذاك .