وتبعه على ذلك جماعة من عيون الصحابة ، كالزبير وعمار والمقداد وآخرين [1] . ثم لما رأى تخلفه يوجب فتقا في الاسلام لا يرتق ، وكسرا لا يجبر ، وكل أحد يعلم أن عليا ما كان يطلب الخلافة رغبة في الإمرة ، ولا حرصا على الملك والغلبة والأثرة ، وحديثه مع ابن عباس بذي قار مشهور [2] ، وإنما يريد تقوية الاسلام ، وتوسيع نطاقه ، ومد رواقه ، وإقامة الحق ، وإماتة الباطل . وحين رأى أن المتخلفين [3] أعني الخليفة الأول والثاني بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد ، وتجهيز الجنود ، وتوسيع الفتوح ، ولم يستأثروا ولم يستبدوا ، بايع وسالم ، وأغضى عما يراه حقا له ، محافظة على الاسلام أن تتصدع وحدته ، وتتفرق كلمته ، ويعود الناس إلى جاهليتهم الأولى .
[1] منهم : أبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن عمرو ، وعمار بن ياسر ، وفروة بن عمرو ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأبي بن كعب ، والبراء بن عازب ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وخزيمة بن ثابت ، وغيرهم . راجع : مروج الذهب 2 : 301 ، العقد الفريد 4 : 259 ، تأريخ الطبري 3 : 208 ، الكامل في التأريخ 2 : 325 ، تأريخ اليعقوبي 2 : 103 ، تأريخ أبي الفداء 2 : 63 . [2] قال عبد الله بن عباس : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله ، فقال رحمه الله لي : ما قيمة هذه النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها . فقال عليه السلام : " والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا ، أو أدفع باطلا . . " . أنظر شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1 : 76 / 32 . [3] صوابها ( المتخلف ) لأن الأمر برمته كان في عهد أبي بكر ، ومثل ذلك في المفردات اللاحقة ، فلا حظ .