الأرواح البشريّة المتكثّرة مع اتّحاد النوع والمرتبة ، أمّا الملائكة فكلّ واحد نوع برأسه وهو كلّ ذلك النوع ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( وإنّا لنحن الصافّون وإنّا لنحن المسبّحون ) وبقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الراكع منهم لا يسجد ، والقائم منهم لا يركع ، وإنّه ما من واحد إلاّ له مقام معلوم ، فلا تفهمنّ إذاً من الأرواح والأجساد المطلقة أرواح الملائكة . وأمّا قوله عليه الصلاة والسلام : أنا أوّل الأنبياء خلقاً وآخرهم بعثاً ; فالخلق هاهنا هو الإيجاد ، فإنّه قبل أن ولدته اُمّه ليس موجوداً مخلوقاً ، ولكن الغايات والكمالات سابقة في التقدير لاحقة في الوجود ، وهو معنى قولهم : أوّل الفكرة آخر العمل . بيانه : أنّ المقدّر المهندس أوّل ما يتمثّل صورته في تقديره ، وهي دار كاملة وآخر ما يوجد في أثر أعماله هي الدار الكاملة ; فالدار الكاملة أوّل الأشياء في ذهنه تقديراً وآخرها وجوداً ، لأنّ ما قبلها من ضرب اللبنات وبناء الحيطان وتركيب الجذوع وسيلة إلى غاية الكمال وهي الدار ، فالغاية هي الدار ولأجلها تقدّر الآلات والأعمال » [1] . فإن لم يتيسّر الوقوف على كتاب الغزالي ، فقد نقل المتأخرون مقالته في كتبهم ، ففي ( المواهب اللدنية ) مثلاً جاء محصّل المقالة المذكورة حيث قال : « فإن قلت : إنّ النبوّة وصف ولابدّ أن يكون الموصوف به موجوداً وإنّما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضاً ، فكيف يوصف به قبل وجوده وإرساله ؟
[1] المضنون به على أهله . وهذا الكلام موجود في رسالته ( الأجوبة الغزالية في المسائل الاخرويّة ) ضمن ( مجموعة رسائل الإمام الغزالي ) : 178 - 180 .