ثمّ اعلم : أنّ الآيات والأخبار تدلّ على أنّ الله تعالى خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات : أحدهما : اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلاً وهو مطابق لعلمه تعالى . والآخر : لوح المحو والإثبات ، فيثبت فيه شيئاً ثمّ يمحوه لحكم كثيرة لا تخفى على اُولي الألباب ، مثلاً يكتب إنّ عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه : أنّ مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره ، فإذا وصل الرحم مثلاً يمحى الخمسون ويكتب مكانه ستّون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللّوح المحفوظ إنّه يصل عمره ستّون ، كما أنّ الطبيب الحاذق إذا اطّلع على مزاج شخص يحكم بأنّ عمره بحسب هذا المزاج يكون ستّين سنةً ، فإذا شرب سمّاً ومات أو قتله إنسان فنقص من ذلك أو استعمل دواءاً قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب والتغيّر الواقع في هذا اللّوح مسمّى بالبداء ; إمّا لأنّه شبيه به كما في سائر ما يطلق عليه سبحانه من الابتلاء والاستهزاء والسخرية وأمثالها ، أو لأنّه يظهر للملائكة أو للخلق إذا اُخبروا بالأوّل خلاف ما علموا أوّلاً . وأيّ استبعاد في تحقّق هذين اللوحين ؟ وأيّة استحالة في هذا المحو والإثبات حتّى يحتاج إلى التأويل والتكليّف ، وإن لم يظهر الحكمة فيه لنا بعجز عقولنا عن الإحاطة بها ؟ مع أنّ الحكم فيه ظاهرة : منها : أن يظهر للملائكة الكاتبين في اللّوح والمطّلعين عليه لطفه تعالى بعباده ، وإيصالهم في الدنيا إلى ما يستحقّونه فيزدادوا به معرفة . ومنها : أن يعلم العباد بأخبار الرسل والحجج عليهم السلام أنّ