فصل [ في أن الله لا يكلف أحدا فوق طاقته ] فإن قيل : هل ربك يكلف أحدا فوق طاقته ؟ فقل : لا ، بل لا يكلف أحدا إلا ما يطيق ، لأن تكليف ما لا يطاق قبيح ، وهو تعالى لا يفعل القبيح ، فقد قال تعالى : * ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) * [ البقرة : 268 ] ، والوسع : دون الطاقة ، وقال : * ( إلا ما آتاها ) * [ الطلاق : 7 ] [1] .
[1] قال الإمام زيد في الرد على المجبرة : " نفت المجبرة والمشبهة عن أنفسهم جميع المذمات ، والظلم ، والجور ، والسفه ، ونسبوها إلى الله عز وجل من جميع الجهات . فقالوا : خلقنا الله أشقياء ، ثم عذبنا بالنار ، ولم يظلمنا . فأي استهزاء أعظم من هذا ، وأي ظلم أوضح ، أو جور أبين مما وصفوا به الله عز وجل ؟ ! كلا ومالك يوم الدين ما هذه صفة أرحم الراحمين ، من يأمر بالعدل والإحسان ، وينهى عن الفحشاء والمنكر كما قال سبحانه : * ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) * ووسعها : طاقتها . بل كلفهم أقل مما يطيقون ، وأعطاهم أكثر مما يستأهلون ، لم يلتمس بذلك منهم علة ، ولم يغتنم منهم زلة ، ولم يخاف قضاءه بقضائه ، ولا قدره بقدره ، ولا حكمه بحكمه " .