محدث [1] . فإن قيل : إنه يرى قس غير مكان . فهذا لا يعقل ، بل فيه نفي الرؤية [2] ، وقد قال تعالى : * ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) * [ الأنعام : 103 ] ، فنفى نفيا عاما لجميع المكلفين ، و [ لجميع ] أوقات الدنيا والآخرة [3] .
[1] - يعني المؤلف أنه إذا كان الله تعالى سوف يرى فلا بد أن يرى في مكان والأماكن محدودة ، وما كان فهو محدود محدث . [2] - القول بأن الله يرى القيامة بحدق العيون يترتب عليه محاذير كثيرة منها : التجسيم والحدوث والتشبيه ، والله منزه عن جميع ذلك ، فلذا احتار القائلون بأن الله يرى فتارة يلجأون إلى القول بأنه يرى في غير مكان ، وتارة يقولون يرى بغير حدق العيون ، وأخرى يقولون يرى بلا كيف ، ولا يقول بأنه يرى بحدق العيون أو في جهة من الجهات إلا شواذ من المجسمة والمشبهة . وما ذكر من الأدلة في إثبات الرؤية لا تعني ذلك في شئ ، وقد طول المؤلف في هذا المبحث في كتابه ينابيع النصيحة . [3] - يشير المؤلف هنا إلى ما يتشبث به القائلون بالرؤية من أن المراد بقوله : * ( لا تدركه الأبصار ) * نفي الرؤية في الدنيا فقط والقرائن لا تساعدهم على ذلك فالنفي عام والجميع متفقون على أن ما نفى الله عن نفسه من صفات النقص منتف عنه في الدنيا والآخرة ، ونحن نعتبر أن إمكانية رؤيته صفة نقص لأنه بذلك يشابه المحدودات المرئيات وهو يقول : * ( ليس كمثله شئ ) * . واحتجاج المخالفين بقوله تعالى : * ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) * غير صحيح ، لأن المراد بالناضرة الجميلة المشرقة ، وإلى بها ناظرة أي إلى رحمة ربها منتظرة ، وذلك وارد بكثرة في كلام العرب ، قال حسان : وجوه يوم بدر ناظرات * إلى الرحمن يأتي بالخلاص وأما احتجاجهم بحديث : " سترون ربكم يوم القيامة كالقمر ليلة البدر " ، فغير مجد لما في سنده من مقال ، وما في متنه من شذوذ ، ليس هذا موضع ذكرها وإن صح فهو آحاد لا يعمل به في الأصول إضافة إلى أنه قد يكون المراد بقوله ( سترون ) : ستعلمون ، كما في قوله تعالى : * ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) * أي : ألم تعلم .