نام کتاب : معالم الفتن نویسنده : سعيد أيوب جلد : 1 صفحه : 384
فالفتوحات أيقظت غريزة العرب الجاهلية من الغرور والنخوة ، بعدما كانت في سكن بالتربية النبوية . فكانت تتسرب فيهم روح الأمم المستعلية وتتمكن منهم رويدا . ويشهد بذلك شيوع تقسيم الأمة المسلمة يومئذ إلى العرب والموالي ، وسيرة معاوية وهو والي الشام يومذاك بين المسلمين بسيرة ملوكية قيصرية ، حتى قال عمر بن الخطاب : أتذكرون كسرى وعندكم معاوية ، وأمور أخرى كثيرة ذكرها التاريخ . وتحت ظل الفتوحات راج الحديث رواجا بينا في عصر معاوية ، وكان عدد من أهل الكتاب قد دخلوا في الإسلام ، وأخذ عنهم المحدثون شيئا كثيرا من أخبار كتبهم وقصص أنبيائهم وأممهم فخلطوها بما كان عندهم من الأحاديث المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ الوضع والدس يدوران في الأحاديث . وتحت ظل الفتوحات اتسع نطاق المباحث الكلامية ، لأن الفتوحات الواسعة أفضت بالطبع إلى اختلاط المسلمين بغيرهم من الأمم وأرباب الملل والنحل وفيهم العلماء والأحبار والأساقفة والبطاركة الباحثون في الأديان والمذاهب ، فارتفع منار الكلام في عهد عمر ، ثم اتسع في عهد عثمان وعلى امتداد حكم بني أمية . وتحت ظل الفتوحات نقلت علوم الأوائل من المنطق والرياضيات والطبيعيات والإلهيات والطب والحكمة العملية إلى العربية ، نقل شطر منها في عهد الأمويين ، ثم أكمل في أوائل عهد العباسيين . فقد ترجموا مئات الكتب من اليونانية والرومية والهندية والفارسية والسريانية إلى العربية ، وأقبل الناس يتدارسون مختلف العلوم ، ولم يلبثوا كثيرا حتى استقلوا بالنظر وصنفوا فيها كتبا ووسائل . وفي ظل الفتوحات ظهرت قوافل التصوف التي ترفض ما وصل إليه الحال . ثم ظهرت قوافل أخرى يتكلمون بأمور تناقض الدين وحكم العقل ، وغير ذلك كثير . وما كان هذا ليحدث لو طاب أعلى الوعاء ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء ، إذا طاب أعلاه طاب أسفله ، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله " [1] . ولقد سقطت السياسة المالية يوم اتخذ الفيئ دولا ، ففي حديث النبي