وإذا محصنا قول الشيعة في القضاء والقدر وجدناه قولا سديدا ورأيا رشيدا ، فبينما فرطت طائفة فقالت بالجبر أفرطت أخرى فقالت بالتفويض ، جاء أئمة أهل البيت سلام الله عليهم ليصححوا المفاهيم والمعتقدات ويرجعوا بهؤلاء وأولئك ، فقالوا : " لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين " [1] . وقد ضرب الإمام جعفر الصادق لذلك مثلا مبسطا يفهمه كل الناس وعلى قدر عقولهم فقال للسائل عندما سأله : ما معنى قولك لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ؟ أجابه عليه السلام : " ليس مشيك على الأرض كسقوطك عليها " ومعنى ذلك أننا نمشي على الأرض باختيارنا - ولكننا عندما نسقط على الأرض فهو بغير اختيارنا ، فمن منا يحب السقوط الذي قد يسبب كسر بعض الأعضاء من جسمنا فنصبح معاقين . فيكون القضاء والقدر أمرا بين أمرين ، أي قسم هو من عندنا وباختيارنا ونحن نفعله بمحض إرادتنا . وقسم ثان هو خارج عن إرادتنا ونحن خاضعون له ، ولا نقدر على دفعه ، فنحاسب على الأول ولا نحاسب على الثاني . والإنسان في هذه الحالة وفي تلك مخير ومسير في نفس الوقت . أ - مخير في أفعاله التي تصدر منه بعد تفكير وروية إذ يمر بمرحلة التخيير والصراع بين الإقدام والإحجام ، وينتهي به الأمر إما بالفعل أو الترك ، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) [2] . فالتزكية للنفس والدس لها هما نتيجة اختيار الضمير في كل إنسان - كما أن الفلاح والخيبة هما نتيجة حتمية وعادلة لذلك الاختيار .
[1] عقائد الشيعة في القضاء والقدر . [2] سورة الشمس آية 6 - 10 .