responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دعوة إلى سبيل المؤمنين نویسنده : طارق زين العابدين    جلد : 1  صفحه : 14


الكل يعلم - سواء استمد علمه هذا من عقيدة دينية أو من الفطرة - أنه ميت وماض إلى حياة أخرى ، وحتى أولئك الماديون فإنهم إنما ينفون هذا لفظا وجدلا لا يقوى على إقناع أو حجة بل يقرون بذلك فطرة أخفوها من خلف مكابراتهم ومرائهم .
إن الحياة لا تنتهي بالموت ، وإنما الموت انتقال إلى الحياة الثانية التي تبدأ بما يسمى بالحياة البرزخية . وفي الواقع أنه بالموت يبدأ كل شئ ، فالحياة الدنيا ليست سوى تلك الأعمال التي يتصدى لها الإنسان فيها منذ ولادته إلى يوم ارتحاله ، والحياة الأخرى ليست سوى حضور تلك الأعمال التي تصدى لها الإنسان في حياته الدنيا بذواتها منذ بلوغه التكليف ثم حصحصتها بلا تجاوز لصغيرة ولا كبيرة . وعلى هذا الأساس - فالناس - وهم في حياتهم الدنيا - سواسية من حيث إن لهم اكتساب هذه الفرصة للتحصيل والتزود كل على قدر ارتباطه بخالقه والتزامه بتكاليفه . وهم بذلك على قدر وافر من الاختيار ، بل دون جبر يحول بينهم وبين اكتساب هذه الفرصة السانحة التي لا تتكرر . وطبقا لذلك فهم سواسية أيضا من حيث الثواب والعقاب في الحياة الأخرى ، كل طبقا لما اكتسبه في حياته الأولى وما انتخبه من نهج فيها .
إذا فالحياة الأولى مرحلة الاكتساب والتزود ، والموت هو لحظة الانتقال إلى الحياة الثانية التي هي حياة الاستقرار الأبدي لما اكتسبه وتزود به سابقا ( ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب ) [1] .
إن الحياة التي يحرزها الإنسان في آخرته بلا شك هي حياة أبدية ويمكن للفرد أن يتصور ويمعن الفكر بعمق في معنى تلك الحياة الأبدية ، مع العلم بأن الأبدية تعني إلى جانب عدم الانقطاع والانصرام اللا عودة واللا رجعة لترتيب الأمور وإصلاح ما فسد منها ، إذا أن ذلك أمر ممنوع ولا مجال له قط . فليتصور الإنسان ذلك ، وليضع نفسه مرة في موضع من حالفه التوفيق في تلك الحياة الأبدية ، ومرة في موضع الذي جانبه التوفيق وحدث على أقل تقدير تقصير في أعماله فأصابه نوع من الشقاء فيها ، وليذوق طعم الحياتين في الحالتين معا ، حتى يتبين له الفرق الشاسع وخطورة الموقف ، حتى تتبين



[1] إبراهيم : 51 .

14

نام کتاب : دعوة إلى سبيل المؤمنين نویسنده : طارق زين العابدين    جلد : 1  صفحه : 14
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست