وفهمت خلال هذا البحث لماذا أغلق بعض علماء أهل السنة والجماعة باب الاجتهاد منذ فقهاء القرن الثاني للهجرة ، فربما كان ذلك لما جرّه هذا الاجتهاد على الأمة من ويلات ومصائب وخطوب وحروب دامية أكلت الأخضر واليابس ، وقد أبدل الاجتهاد خير أمة أخرجت للناس أمة متناحرة متقاتلة ، تسودها الفوضى ، وتحكم فيها القبلية ، وتنقلب من الإسلام إلى الجاهلية . أما الشيعة الذين بقي عندهم باب الإجتهاد مفتوحاً ما دامت النصوص قائمة ، ولا يمكن لأيّ أحد تبديلها ، وأعانهم على ذلك وجود الأئمة الاثني عشر الذين ورثوا علم جدّهم ، فكانوا يقولون : ليس هناك مسألة إلاّ ولله حكم فيها ، وقد بيّنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . ونفهم أيضا بأن أهل السنة والجماعة لما اقتدوا بالصحابة المجتهدين الذين منعوا كتابة السنّة النبوية ، وجدوا أنفسهم مضطرّين أمام غياب النصوص للاجتهاد بالرأي والقياس ، والاستصحاب ، وسد باب الذرائع إلى غير ذلك . ونفهم أيضاً من كلّ ذلك بأن الشيعة التفوا حول الإمام علي ، وهو باب مدينة العلم ، والذي كان يقول لهم : " سلوني عن كلّ شئ ، فقد علّمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لكُلّ باب ألف باب " [1] . وغير الشيعة التفّوا حول معاوية بن أبي سفيان الذي لم يكن يعرف من سنّة النبي إلاّ قليلا . وأصبح إمام الفئة الباغية ، أميرا للمؤمنين ، بعد وفاة الإمام علي ، فعمل في دين الله برأيه أكثر من الذين سبقوه ، وأهل السنة والجماعة يقولون بأنّه كاتب الوحي ، وأنه من العلماء المجتهدين ! كيف يحكمون باجتهاده وقد دس السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة فقتله ؟ ولعلهم يقولون : هذا أيضاً من اجتهاده فقد اجتهد وأخطأ !