مصيبتنا في الاجتهاد مقابل النصوص استنتجت من خلال البحث أن مصيبة الأمة الإسلامية انجرّت عليها من الاجتهاد الذي دأب عليه الصحابة مقابل النصوص الصريحة ، فاخترقت بذلك حدود الله ، ومحقت السنة النبوية ، وأصبح العلماء والأئمة بعد الصحابة يقيسون على اجتهادات الصحابة ، ويرفضون بعض الأحيان النصّ النبوي إذا تعارض مع ما فعله أحد الصحابة ، أو حتّى النصّ القرآني ، ولست مبالغاً . وقد قدّمت كيف أنهم رغم وجود النصّ على التيمم في كتاب الله وسنّة الرسول الثابتة . . رغم كلّ ذلك اجتهدوا ، فقالوا بترك الصلاة مع فقد الماء ، وقد علّل عبد الله بن عمر اجتهاده بالنحو الذي أشرنا إليه في مكان آخر من بحثنا . ومن أوائل الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو الخليفة الثاني الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فعطّل سهم المؤلفة قلوبهم الذين فرض الله لهم سهماً من الزكاة ، وقال : " لا حاجة لنا فيكم " . أما اجتهاده في النصوص النبوية فلا يحصى ، وقد اجتهد في حياة الرسول نفسه وعارضه عدة مرات ، وقد أشرنا في ما سبق إلى معارضته في صلح الحديبية ، وفي منع كتابة الكتاب وقوله : " حسبنا كتاب الله " . وقد وقعت له حادثة أُخرى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلها تعطينا صورة أوضح لنفسية عمر ، الذي أباح لنفسه أن يناقش ويجادل ويعارض صاحب الرسالة ، تلك هي حادثة التبشير بالجنّة ، إذ بعث رسول الله أبا هريرة وقال له : " من لقيته من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنّة " ، فخرج ليبشّر فلقيه عمر ومنعه من ذلك وضربه حتّى سقط على أسته . فرجع أبو هريرة إلى رسول الله وهو يبكي ، وأخبره بما فعل عمر ، فقال رسول الله لعمر : " ما حملك على ما فعلت " ؟